الجمعة 4/1/2008
فجأة وبلا مقدمات .... " إنت مسافر الجزاير يوم السبت " .....
فعلت كل ما يمكنكم تخيله ... اندهشت ... تعجبت ... صدمت ... ولكننى بالطبع وافقت ... فهذا هو ما يسمونه : حكم اللحمة على الجعان
تساءلت عن خط سيرى ... فتلقيت صدمتى الثانية ... سوف تتحرك من القاهرة فى الثامنة والنصف صباحاً لتصل إلى الجزائر العاصمة فى الواحدة ظهراً .... ثم تستقل الطائرة من العاصمة الجزائرية إلى وهران فى التاسعة إلا ربع مساءا .... معنى هذا أننى سأظل ملقى كالكرسى القديم المهمل لمدة ثمانية ساعات إلا ربع ... تساءلت عن المسافة من العاصمة إلى وهران فقيل لها أنا تستغرق بالطائرة خمسة وأربعون دقيقة ... معنى هذا أنها تستغرق بالسيارة ثلاث ساعات تقريباً .... وقديماً قالوا : الوبا ولا الغبا .... ننتظر فى المطار قرابة الثمانى ساعات رغم أن الرحلة بالسيارة تستغرق ساعات ثلاث ... اللهم لا اعتراض ....
أعود بكم إلى ما قبل السفر قليلاً ... فقد قامت شركتنا الميمونة بشراء مصنع فى الجزائر الشقيق يدعى زهانة ... ومنذ حوالى شهر تقريباً والكثير من الزملاء هناك ... ولكى تعلموا مأساتى يجب أن تعلموا أننى ذاهب لأجد هناك السيد العضو المنتدب والسيد المدير المالى والسيد المراقب المالى .... إذن فسوف تكون علقة شغل محترمة – هكذا قلت لنفسى - ...
مأساة أخرى قابلتنى عندما طلبوا منى إحضار الكثير من الملابس معى فالجو بارد جداً كما أن إقامتى قد تطول لمدة أسبوعين .... ومع هذه المفاجأة لم أجد لدى حقيبة سفر كبيرة فجهزت حقيبتين صغيرتين ... بالإضافة للاب توب .... ورزقى على الله .... – كالمهاجر كنت –
كنت أسافر هذه المرة بحمل ثقيل على رأسى – ولا تسخروا منى – كان هذا الحمل هو انتظار الزملاء لمذكراتى من الجزائر .... كما كتبتها من قبل من الخرطوم
اتفقت مع بعض أصدقائى أن يبيتوا معى ويوصلونى إلى المطار فى السابعة تقريباً ... سمعت أغنية للشاب خالد تقول كلماتها : " وهران .. وهران .. رحت خسارة " .... ياللتفاؤل ....
ولمن لا يعلم فسوف يسافر معى فى نفس الرحلة مدير الموارد البشرية وسكرتيرته ..... وسوف أحدثكم عنهم لاحقاً عندما أتعرف إليهما أكثر ... وهناك ينتظرنى الكثير من العمل .. والكثير من الرؤساء ... والكثير من العبودية .... ربنا يستر ....
جهزت الحقائب ... نظرة أخيرة على الأشياء التى لا أتذكرها أبداً إلا عندما أحتاجها ... فرشاة الأسنان ومعجونها ... شاحن الموبايل ... فرشاة الشعر .. الكاميرا – ولا أدري ما حاجتى لها هناك .. فالعمل سوف لن يدع لى وقتاً للتصوير - .... توكلنا على الله ... لقد وصل أصدقائى والساعة الآن العاشرة ... سنتحرك بأمر الله فى تمام السادسة صباحاً ...
السبت 5/1/2008
تحركت من المنزل فى الخامسة والنصف مودعاً أمى المستيقظة دوماً وانطلقت مع أصدقائى إلى المطار... وكالعادة – ولا قطع الله لنا عادة – ضللنا طريقنا إلى المطار وسألنا العديد من الأشخاص حتى وصلنا لصالة رقم 2 ... لنكتشف مرة أخرى أن الرحلة ستقلع من صالة رقم 1 ... توجهنا إلى هناك ... تعانقنا باستظرافنا المعهود ... أعطانى أحدهم سلسلة فضية تحمل آية الكرسى .... تركتهم ودخت إلى الصالة وبعد عدة تليفونات قابلت شريكي وشريكتى فى الرحلة جالسين فى المنطقة المخصصة لخدمة القوات المسلحة ... فلشريكي معارفه الذين يستطيعون دوماً إنهاء كل الإجراءات ... جلسنا كالباشوات فى منطقة خدمة القوات المسلحة وأخذ أحدهم حقائبنا وجوازات سفرنا وتذاكرنا وعاد لنا بعد ربع ساعة لينطلق بنا كمجموعة من V.I.P ويدخلنا إلى الطائرة دون زحام ... وقد كان .. ولكن الطائرة كعادة مصر للطيران – وكل خطوط الطيران العربية - تأخرت فى الإقلاع حوالى نصف الساعة ... وركبنا ولم نجد مكانا فى درجة رجال الأعمال التى حجزنا عليها فجلسنا فى الدرجة الاقتصادية حانقين غاضبين .. ولكن مضيفة حلوة اللسان جاءت إلى شريكتى وقالت لها لا يوجد أى فارق بين درجة رجال الأعمال والاقتصادية ... وأنها ستقدم لنا أى خدمة نريدها حتى لو كانت متوفرة لرجال الأعمال فقط كاستعمال الحليب السائل مع القهوة بدلاً من مسحوق مبيض القهوة ... كدت أهتف بها أننى أريد شيئاً واحداً من درجة رجال الأعمال هو أن أستطيع فرد أقدامى قليلاً .. فالمسافة بين كل كرسى والذى يليه فى الاقتصادية ضيقة إلى درجة لا يمكن تصديقها ولكننى تراجعت على آخر لحظة خوفاً من إغضابها فتدس لى السم فى القهوة ذات المبيض ...
انطلقت الرحلة فى سلاسة ودون مشاكل باستثناء بعض المطبات الهوائية القوية وباستثناء تشغيل فيلم فتح عينيك ثم قطعه وتشغيل فيلم واحد من الناس ....
المهم أن الرحلة مرت فى سلام ودون خسائر سوى أقدامى التى تحطمت من فرط الانثناء ... أنا لست طويلاً ولم أدع يوماً أننى طويل ... ولكننى عرفت الآن فقط شعور أصدقائى حينما يجلسون على الكنبة الخلفية لسيارتى الألتو الصغيرة ....
هبط الكابتن هبوطاً جميلاً لم نشعر بأن عجلات طائرتنا لمست الأرض فيه ... وأخبرنا أن درجة الحرارة بالخارج أحد عشر درجة مئوية ... وأن الساعة هى الثانية عشر .... فالتوقيت فى الجزائر يتأخر عن التوقيت فى مصر بساعة .. ومعنى هذا - ببساطة - أن أمامنا تسع ساعات إلا ربع .... أوف ... دعونا الله أن نجد أماكن على أى من الطائرات المتجهة من الجزائر إلى وهران قبل طائرتنا لنستقلها...
أثلج شريكى صدرينا عندما قال لنا أحد أصدقائه سينتظرنا فى المطار وسنقطع الساعات الطويلة فى مشاهدة الجزائر العاصمة ...
قابلنا الرجل وخرجنا من المطار حيث لم نجد مكانا شاغراً على أى طائرة سابقة لطائرتنا ... ولكنهم يقومون فى مطار الجزائر بفعل غريب .. فإذا دخلت إلى البلد ومعك دولارات يجب عليك إثبات ذلك فى المطار وتأخذ منهم مستنداً رسمياً يثبت أن معك دولارات ... ولا أعلم ما سبب هذا الإجراء ...
ما علينا ... قابلنا الرجل الذى رحب بنا بحفاوة تذكرك بأبناء محافظة الشرقية الكرام ... وانطلق بنا بسيارته إلى قلب الجزائر العاصمة ليدعونا إلى الغداء فى أحد المطاعم ...
أثناء السير فى لاحظت أن طرقات الجزائر جميعها عبارة عن مرتفعات ومنخفضات متواصلة .. كبارى وأنفاق وانحناءات مرعبة ... كما لاحظت أن جميع شوارعهم تقريباً شوارع جانبية عبارة عن اتجاهين كل اتجاه حارة واحدة ... أو اتجاه واحد عبارة عن حارتين .. ولم أشاهد خلاف ذلك سوى طريق واحد يتكون من 4 حارات .....
ملاحظة أخرى لاحظتها هى أن الجزائر تتميز – وليس معنى كلمة تتميز أنها تحمل صفة جميلة فتتميز تعنى تتسم أو تتصف - بأسوأ الطرقات تخطيطاً ربما على مستوى العالم ... فالمنحيات تتداخل مع الميادين التى تحمل عشرين اتجاهاً كل اتجاه يخرج منه أربعون سيارة .... تخطيط بشع يتيح لك الموت السريع بحادث سيارة .. وبسبب ضيق الطرق فجميع سائقى السيارات يحاولون القيادة بمنتهى السرعة ليظفروا بمكان فى مذبحة القلعة هذه ....
وبما أننا نتحدث عن الطرق فللسيارات طريقة مميزة جداً فى الترقيم – تماماً كما للسودان طريقة مميزة- ... فأول رقمين على يمين لوحة المفاتيح هما رقم الولاية – أى المحافظة – والثلاثة أرقام التى تليها هى موديل السيارة... وبقية الأرقام هى رقم رخصة السيارة نفسها ... نظام بسيط وجميل وممتع وسهل ....
والطرق ممتلئة بضباط يطلقون عليهم : الدرك الوطنى ... وهو أحد أجهزة الأمن الجزائرية .. وعندما تمر أمامه لابد أن تهدئ من سرعتك تماماً وتفتح نافذة سيارتك حتى يشير لك بالعبور ... ولو كان الوقت ليلاً فلابد أن تضئ نور الصالون بالسيارة .... وهذه أشياء لا مزاح فيها ...
وأخذ دليلنا فى المدينة يتحدث بالفرنسية – بكسر الفاء كما ينطقونها هناك - ... وكانت شريكتى تحاوره فى عفرتة وشيطنة ... فهو يتحدث الفرنسية كما يتحدث بيكهام الإنجليزية وهى تتحدثها كما يتحدث روبرتو كارلوس البرتغالية .... وعندما شعرت أننى كالحمار الذى لا يفهم شيئاً وطلبت منه أن يتحدث العربية اعتذر لى بأن لغته العربية ضعيفة ولكنها سيحاول من أجل عيونى – لا أعرف ما سر عيونى بالضبط - ؟؟؟
ذهبنا إلى المطعم وجاءت النادلة لتتحدث بالفرنسية .... وتعطينا قائمة الطعام بالفرنسية .... ونظرت لكل من حولى فوجدتهم يتحدثون الفرنسية .....
عندها علمت أن الجزائر لم تتحرر بعد من الاحتلال الفرنسي ... فرغم رحيل العساكر الفرنسيين ورغم كفاح عشرات الأبطال من أجل تحريرها إلا أنهم – الجزائريين – لا يزالون متمسكين إلى أقصى درجة باللغة الفرنسية ... ولو علمت جميلة بوحريد أنهم سيتمسكون بالفرنسية أكثر من تمسكهم بتراثهم العربى لما فعلت ما فعلته ولا تحملت ما تحملته من أجل وطنها .. ولما ذاقت العذاب فى السجن الحربى بوهران التى نحن مقبلون عليها ... - وبالمناسبة لم أشاهد شارعاً واحداً يحمل اسم جميلة بوحريد .. وقال لى أحد الزملاء المصريين أن الجزائريين محوها تماماً من ذاكرتهم بسبب زواجها من فرنسى -
للأسف .. الجزائريون هم مأساة الجزائر ... شعب يعشق التهمش .... يحب أن يكون مهمشاً .. وافق بسهولة أن يكون ظلاً لفرنسا .... تلك الدولة التى احتلت أرضه ما يفوق القرن ونصف قرن ... بينما نحن المصريين عندما دخل الفرنسيون أرضنا قاومناهم حتى تحدثوا هم العربية وحلق مينو رأسه وسمى نفس عبد الله وتزوج من امرأة مصرية ربما تدعى ابتسام أو عواطف أو حتى نرجس ... المهم أننا وصلنا إلى فندق شيراتون وهران ودون عشاء ودون أى شئ نمنا كالببغاوات المرهقة حيث أننا علمنا أن الأوتوبيس يتحرك من أمام الفندق إلى الشركة فى تمام السابعة .. ومعنى ذلك أننى سأستيقظ فى السادية تماما ... تبا لى ولهم ... وضعت رأسى على الوسادة وفى أقل من دقيقة كنت قد رحت فى أعمق سبات فى التاريخ .
الأحد 6/1/2008
كان من المفترض أن أحكي لكم عن تفاصيل حياتى اليومية يوماً فيوماً كما فعلت إبان فترة اعتقالى فى السودان ... ولكن بغضى للجزائر والفراغ الذى عشت فيه بعيداً عن العمل دفعنى دفعاً لاختصار الكتابة...
كان برنامجى اليومى هو الاستيقاظ فى السادسة صباحاً والنزول لتناول الإفطار فى الأوبن بوفيه .. وكان إفطارى فى الغالب عبارة عن قطعة من اللانشون وبيضتين مقليتين وقطعتين من السجق وقطعتين من الخبز وبعض الطماطم وعلبة مربى ... ثم فنجان من الشاى بالحليب مع ثلاث قطع كرواسون بالشيكولاتة ... ثم أجلس إلى النت قليلاً فى اللوبى حتى ينتهى الجميع من إفطارهم ونستقل الأوتوبيس إلى مقر المصنع الذى يبعد حوالى الساعة إلا ربع عن الفندق ....
وعن المصنع أحدثكم ... هو مصنع حكومة ... والشركة صاحبة المصنع شركة قطاع عام .. والموظفون الذين يعملون فى الشركة صاحبة المصنع هم موظفو قطاع عام ... تماما كما كان القطاع العام فى مصر منذ ثلاثين سنة ... تخيلوا أنتم الوضع
وهم – فوق بيروقراطيتهم – يتميزون بالجهل المطبق .... لا يفقهون شيئاً فى المحاسبة لدرجة أننى – وأنا المحاسب قليل الخبرة إلى أبعد الحدود – كنت أبدو أمامهم كخبير أجنبى ....
وكان يعمل معنا فى فحص ملفات الشركة أربعة محاسبين من KPMG ... وعندما أقول KPMG فى مصر فأنا أعنى أقوى المراجعين الذين يثيرون الرجفة فى قلوب المحاسبين ... أما هنا فى الجزائر فالوضع يختلف تماماً ... فقد أرسل لنا KPMG مجموعة مكونة من 4 أفراد ... ثلاث شبان وفتاة ... شابان منهما يتمتعان بالخبرة والمهارة والشاب الثالث والفتاة لا يتمتعان بأى شئ يمكن لمحاسب أن يتمتع به .... وأنا – بحكم مركزى كخبير – لم أكن مستعداً لتقبل أى خطأ من المراجع الشاب .. ولكننى – بحكم طبيعتى كرجل - كنت بالطبع مستعداً لتقبل جميع أخطاء الفتاة ... كلا هى لم تعجبنى ...... أقصد أنها لم تعجبنى كثيراً ... كنت أعنى أنها ليست أكثر من أعجبنى من من قابلتهم من الفتيات فى حياتى بالطبع ... ولكن هذا لا يمنع إننى " استلطفتها " كثيراً وحزنت عندما عادت إلى الجزائر العاصمة.. تباً لكم ... لا تبتسموا هذه الابتسامة الخبيثة ... على العموم فإن رقم هاتفها معى ... وسترونها حين تزور مصر على يدى إن شاء الله ....
أعود لموضوعى الأساسى ... كلا ليس الجزائر .. بل هو الفتاة ... كانت تقص شعرها على طريقة "ألا جارسون " الشهيرة .. وترتدى نظارة طبية كبيرة نوعاً ما ... هى ليست على قدر كبير من الجمال – كما هو حال معظم فتيات الجزائر المكتئب .... ولكن شيئاً ما فيها يجذبك .. ربما هو أسلوبها فى الكلام .. ربما نظرتها حين تتطلع إلى الأرض عندما تحدق فى عينيها وأنت تحدثها ... ربما هى نظارتها – وأنا أعشق الفتيات ذوات النظارات الطبية - ... ربما هو حداثة عهدها بالعمل وقلة خبرتها به مما يعطيني شعوراً محبباً بالتفوق ... ربما هو اسمها ذو الطابع الملفت الذى يأخذك إلى عالم ألف ليلة وليلة ... اسمها شهرزاد ..... وعندما قدمت لى نفسها ظهرت على وجهى ابتسامة وأنا أذكر لها اسمى الحقيقى .... شهريار ......
المهم ... دعك من شهرزاد ومسرور السياف ... فقد قرر السيد رئيسى أن يكتفى بهذا القدر من عمل شهرزاد وزميلنا الآخر وعادا إلى العاصمة ظهر يوم كئيب
وهكذا مضت الأيام .. نذهب إلى المصنع ... نعمل ... نخرج من المصنع إما فى الرابعة عصراً أو فى السادسة والنصف ... نعود إما إلى الفندق أو إلى المطعم اللبنانى ... ولم يكن مكان تناول الغذاء يختلف عن مكانين ... إما المطعم اللبنانى القريب من الأوتيل ... أو مطعم الأندلس الموجود داخل الأوتيل والبايلا الرهيبة التى يقدمها رغم ارتفاع سعره .... وبالطبع قبل الأكل وبعده الكثير من دخان الشيشة ... لا لشئ سوى لمجرد الشعور بأنك لم تغادر أرض الوطن
ويتميز حجر الشيشة فى الجزائر بأنه يعيش لفترة طويلة ... ربما بسبب الولعة التى تختلف عن الولعة الموجودة فى مصر ... فالولعة لديهم هى عبارة عن قطعة فحم تشبه الكازوزة يتم تسخينها قليلاً بالكبريت ويتم وضعها على الشيشة بعد ذلك .. وقال لى أحدهم أن هذا النوع من الولعة موجود فى بعض الأماكن فى مصر واسمه الولعة السريعة أو الإشعال السريع .. لا أدرى هل هى موجودة بالفعل أم أنه كان يخدعنى ؟؟
وفى الفندق بعض العمل .. بعض التلفزيون .. بعض النت .. القليل من القراءة ... وبعض النوم ....
وفى يوم من ذات الأيام وبينما كنت أستعد للنوم فوجئت بالفندق يهتز بشدة ... اهتزاز شديد حقيقى وليس مجرد شخص يجرى فى الدور العلوى ... وقبل أن أستوعب الموقف وأجرى من مكانى إلى الخارج توقف الاهتزاز ... اتصلت بالاستقبال – لا أدرى لماذا – وسألتهم : ما الذى حدث ؟ فأجابنى أحدهم بمنتهى البرود : لا شئ ... إنه زلزال ... لا تقلق
كيف لا أقلق ؟؟ زلزال قوى .. والفندق يتكون – على ما رأيته – من زجاج يفصله عن بعضه بعض المعادن البسيطة ... ولا تريدنى أن أقلق ؟؟ بل سأقلق ....
المهم أننى هدأت عندما علمت أنه زلزال وأنه لا داعى للقلق فذهبت إلى النوم .. واستيقظت على اهتزازات خفيفة ثلاث مرات فى هذا اليوم
فى صباح اليوم التالى عرفنا من نشرة الأخبار فى إذاعة وهران أن الزلزال كانت قوته 5.3 درجة بمقياس ريختر ... – أو على سلم ريشتر كما نطقتها المذيعة - ... ثم أتبع الزلزال بعض التوابع تتراوح ما بين 2 – 3.5 على سلم ريشتر – أو على مقياس ريختر كما أنطقها أنا –
يتسم الشعب الجزائرى بالعصبية المفرطة ... يتحدث إليك بخلق أضيق من ثقب الإبرة .... تشعر أنه يريد أن يضربك بالرصاص ليرتاح منك ومن شكلك ... فإذا كانت هذه هى طبيعتهم فكيف تتوقعون تعاملهم مع موظفى الشركة التى اشترت شركتهم مع توقعهم بأننا سنفصلهم من العمل فى أى وقت ؟؟
كما يتسم – معظم من قابلتهم – بالبخل الشديد ... ذلك البخل الذى يعطى أحدهم الجرأة على أن يعمل معك من الثامنة صباحاً حتى الثانية ظهراً ثم يتناول غداءه أمامك دون أن يفكر فى دعوتك ولو من باب المجاملة ..... تباً للبخل الجزائرى أو للكرم المصرى ....
اليوم تذوقت حساءاً غريباً جداً فى مطعم الأندلس ... يسمونه : " حريرا " .. وهو حساء مغربى فى الأساس ولكنه انتشر فى دول المغرب العربي كلها ... أحمر اللون مثل الصلصة وبه " لسعة حرقان " خفيفة ولكنها – يالدهشتى - محببة إلى النفس
اليوم هو الجمعة ... سمعت من مديرى خبراً كاد أن يقتلنى سروراً وسعادة .... سأعود بإذن الله إلى مصر يوم الإثنين ... يومان فقط وفى الثالث سوف أطير ...
علىَّ أن أبدأ إذن فى ترتيب أمور سفرى وحجز التذاكر اللازمة ....
كالطفل كنت أستعجل يوم الرحيل عن الجزائر ... ربما لم أمقتها بهذا الشكل على قدر ما كرهت العمل فيها والإقامة فى مدينة وهران الميتة قبلاً ...
وطبعاً بفضل حسد زملائى الأعزاء على غرار : الله يسهل له راجع مصر .... لم أستطع حجز تذكرة يوم الاثنين .. فاضررت لحجزها يوم الثلاثاء ... وهران الجزائر – الجزائر القاهرة
ويمر السبت والأحد ... اليوم هو يوم سعدى ولا شك ... فأولاً أنا عائد – بمشيئة الله – إلى وطنى غداً
وثانياً ذهبت إلى أحد المطاعم لتناول العشاء فوجدت عندهم فولاً ... والفول للمصرى كالماء للسمك ... شعرت بأننى عدت إلى الوطن
وثالثا: شاهدت جزائرية جميلة .. وهى معجزة لا تقل عن معجزة الفول فى الجزائر
ودعت أصدقائى .... ونمت فى الواحدة صباحاً استعداداً للاستيقاظ فى الرابعة لألحق بأوتوبيس الشيراتون الذى يتجه إلى مطار وهران فى الخامسة والنصف لألحق بطائرتى فى السابعة إلا الربع .
استيقظت – بعد مداولات مع محمولى – فى تمام الرابعة والنصف ونزلت إلى بهو الفندق وأجريت إجراءات المغادة ثم إلى الأوتوبيس ثم إلى المطار ... وكان معى حقائبى الثلاث ..
استقبلنى موظف الاستقبال فى المطار بود مبالغ فيه وأخذ يصف لى كم أننى " منور البلد " ومرحباً بك يا مصرى يا شقيق ... ثم سألنى : شربت قهوتك اليوم ؟؟؟ أجبته أننى شربتها – لأتخلص من لزوجته- فقال لى أنه لم يشربها بعد .. وأخذ يكرر أريد بعض القهوة .. ثم أخرج من جيبه عملة معدنية – لعلها مائة دينار – وقال لى أن هذا ثمن القهوة هنا ...
آاااااااااااااااااه ... لقد فهمت ... إنه يريد نوعاً من البقشيش – لست أدرى لماذا - .. والأهم من أنى لست أدرى لماذا ..... كيف يطلب ضابط فى مطار يختم لك جواز سفرك بقشيشاً منك ؟؟ لقد تصورت أن لدينا فى مصر الحد الأقصى من الضباط اللى بياكلوها والعة ... المهم أننى استعبطت وتظاهرت بأنى لم أفهم مقصده وبعد أن يئس منى أنهى لى أوراقى وقبل أن أنطلق قلت له : " عندنا فى مصر اسمها الشاى مش القهوة .. قول للزباين عايز الشاى بتاعى وهم هايفهموك " ... ثم انطلقت
أنهيت إجراءاتى سريعا وبينما أنا أصعد إلى الطائرة شاهدت جميع الحقائب ملقاة على أرض المطار بجوار الطائرة دون عناية .. تباً ... متى سيضعونها فى الطائرة؟؟؟
أخذت مقعدى المفضل – بجوار النافذة – وبدأت أتململ ... متى ستتحرك الطائرة متجهة بى إلى الجزائر ؟؟ صوت المضيفة يعلو فى الطائرة : الرجاء من السيد مختار أحمد مراجعة مضيف الطائرة للأهمية ( هم فى الجزائر ينطقون اسم الأب قبل اسم الابن ) .... شعرت بالصدمة .. فقد تصورت أننى أفوق ذلك فى الأهمية وأن اسمى لن ينادى عليه إلا مقترناً باسم كابتن الطائرة أو مساعده على أقل تقدير .. المهم أننى توجهت إلى المضيف فأشار إلى حقيبتين يتميتين تقفان وحيدتين على أرض المطار.. ( ترى أين رأيتهما من قبل ؟؟؟ ) وسألنى : ألا تريد حقائبك ؟؟
( آه ... لقد تذكرت أين رأيتهما ... إنهما حقيبتاى ... )
أجبته : نعم .. لقد وضعتها على السير لتدخل إلى الطائرة
فأفهمنى بسلامته أنهم يأخذون الحقائب ويلقونها على أرض المطار وتكون هناك سيارة واقفة وعلى كل فرد أن يأخذ حقائبه – التى سبق أن سلمها لهم – ويضعها على متن السيارة التى ستضعها بدورها على متن الطائرة . يالسعادتى ... لقد أصبحت أخيراً شخصاً مهماً يتسبب فى تأخير إقلاع الطائرات ...
طار بنا الطيار – الذى كان فى الأساس طياراً فى إحدى ألعاب الplay station على ما يبدو – وأخذ يتلاعب بنا متذكراً إبداعاته فى ألعاب star war و 007 الشهيرتين ....
هذه المرة أنا أسافر وحدى .... مما يصيبنى بالفزع ... فبطل الفيلم لا تسقط به الطائرة إلا عندما يكون وحيداً .... وكان من المفروض أن أسافر يوم الاثنين وتم تغيير الميعاد فى اللحظات الأخيرة .. تماما كما هو حال أبطال الأفلام الذين تسقط بهم الطائرات بعد تغيير ميعادها فى اللحظات الأخيرة ... ومما يعزز خوفى أن أحد أصدقائى أعطانى سلسلة وأوصانى بعدم خلعها من عنقى أبداً .. دعونى أسألكم .. كم من أبطال الأفلام ماتوا بعد أن أعطاهم أصدقائهم سلاسل فضية وطلبوا منهم أن لا يخلعوها من أعناقهم أبداً ؟؟؟ عموماً سأعتمد على الله ثم على أننى لست بوسامة عمر الشريف فى فيلم فى بيتنا رجل ولأدعو الله أن أصل بالسلامة إلى يابسة الوطن المبللة بماء المطر الغزير ...
وصلنا إلى مطار وهران ... احتسيت الشاى فى الكافيه وجلست لأكتب قليلاً فى انتظار وصول طائرة صديقى فى العمل الذى من المفترض أن أقابله لمدة ساعة هى المسافة الزمنية ما بين وصوله وإقلاعى إلى القاهرة ...
سألت ضابط الأمن الواقف بجوار الميزان : أين أضع حقائبى ؟؟ فأشار لى بقرف إلى أحد السيور وقال: حطهم هنا ... فكلزه زميله الذى أعطيته باسبورى وتذكرتى وهمس له بصوت تعمد أن يصلنى : الباشا بيزنس .... فظهر الفزع على وجه الضابط وأشار إلى سير آخر فارغ تماماً وقال باحترام : هنا يا سعادة الباشا ... ثم حملهم بنفسه ووضعهم على السير مبتسماً ... كل هذا لأننى أسافر بيزنس كلاس؟؟ بركاتك يا اللى فى بالى ...
وهكذا أنهيت إجراءاتى وما زال أمامى ثلاث ساعات على ميعد طائرتى ... جلست أضيع بعض الوقت فى القراءة والكتابة والتسكع فى المطار وشرب الشاى بلبن فى أكثر من كافيه ولم أقابل صديقى لتأخر طائرته قليلاً حتى جاء موعد دخولى لصالة انتظار الطائرة ... فوجئت بتفتيش دقيق بشكل غير طبيعي .. كان على أن أخلع سترتى وأضعها داخل جهاز الكاشف " السونار " وكذلك أضع موبايلى داخل الكاشف أيضاً .. ومن باب الرخامة وضعت له أيضاً بعض العملات المعدنية مع الموبايل ... فليكن تفتيشاً إذن .. وبالطبع لقد أصدر جهاز كشف المعادن صافرته المميزة التى تعلن عن مرور ابن لادن تحته عند مرورى ... فحتى مع تخلصى من من الموبايل والجاكيت والعملات المعدنية مازال هناك الحزام والحذاء ذو الأجزاء المعدنية .. وربما السلسلة الفضية إياها تزعج الجهاز أيضاً ... المهم أن الضابط فتشنى بدقة خبير كيميائى ثم تركنى أعبر ... لأصل إلى الرجل الذى سيسألنى عن ما معى من نقود وإذا أخبرته أن معى دولارات فيجب على أن أعطيه إيصال تسجيل الدولارات الذى أخذته عند دخولى للجزائر ... وبالطبع ليس معى هذا الإيصال .. وهكذا خبأت نقودي جيداً فى حقيبة اللاب توب وقمت بأول عملية تهريب فى حياتى ... 800 دولار وحوالى 3000 دينار جزائرى
جلست فى الصالة ما لا يزيد عن خمس دقائق ثم انتظمت فى طابور دخول الأنبوب المفضى إلى الطائرة لا أحمل إلا حقيبة اللابتوب .. وفى نهاية الأنبوب قبل الطائرة شاهدت عملية تفتيش دقيقة جداً للحقائب... أخرجت الدولارات – التى اتفقنا أنها مهربة – ووضعتها فى جيبى ووصلت "للست المفتشة" التى أخرجت أحشاءها ( أحشاء الحقيبة وليست المفتشة ) .. حتى وصلت للممنوعات التى معى ... زجاجة العطر ... ورفضت أن أصعد بها إلى الطائرة لأنها تحتوى على سبرتو ويمكن استخدامها فى عمليات إرهابية ... نشفت دماغها ونشفت دماغى ... وطبعا لا يوجد أنشف من الدماغ المصرى .. وهكذا أعطتنى عطرى ودخلت الطائرة وخلفى زوج من المصريين الذين يفضحوننا فى كل المطارات ... كل منهم يحمل شنطة بلاستيك بها بعض البلح ليتسلوا به أثناء الرحلة ... يمكنك ببساطة أن تعرف مكان تواجد المصريين من خلال نوى البلح أو قشر اللب على الأرض ...
دخلت أخيراً إلى الطائرة ... على يمينى الدرجة الاقتصادية .. وعلى يسارى درجة رجال الأعمال أو ما يسمونه البيزنس كلاس ويفصلهما ستار ... دخلت إلى اليسار حيث مكانى ... وعن ال Business Class أحدثكم ...
جزء فى مقدمة الطائرة بعيداً عن المحركات وهدير المراوح المزعج .. يتكون من 24 كرسى لا أكثر فى ثلاثة صفوف طولية وأربعة صفوف عرضية ... كرسيان فى اليمين وكرسيان فى الوسط – حيث كان مكانى – وكرسيان فى اليسار ... وبين كل كرسيين واللذين يجاورانهما أو يليانهما مكان متسع جداً حيث يمكنك الجلوس كما تشاء ... وكل كرسى على حدا له ترابيزة للطعام تخرج من مسند اليد الأيسر وشاشة دى فى دى فى الجزء الأمامى من مسند اليد الأيمن عليها الكثير من الأفلام يمكنك مشاهدة ما يروقك منها مع وجود ريموت كنترول فى الجزء الخلفى من مسند اليد الأيمن لتقديم أو تأخير أو إعادة أو تحويل الفيلم .. فهو لك وحدك ... هذا بخلاف الألعاب الموجودة على الشاشة والموسيقى والراديو والإنترنت والفاكس والتليكس والتليفون ورسائل الSMS .. كل هذه الأشياء فى الشاشة التى أمامك والريموت كنترول ... أما الكرسى نفسه فيمكن إرجاع ظهره للخلف حتى يصبح سريراً ( فالمسافة بينك وبين الكرسى الذى خلفك واسعة جداً ) ... كما يمكن فرد الجزء السفلى منه ليتحول إلى ما يشبه الشيزلونج ... وظهر الكرسى نفسه يمكن التحكم فى درجة انبعاجه أو فلطحته ... ومقعد الكرسى بإمكانك تقديمه للأمام أو إرجاعه للخلف ... كل هذا بضغطات أزرار بحيث تحصل على أكبر قدر ممكن من الراحة ... وهناك أيضاً ما إن يصعد الجميع حتى تأتى المضيفتان الجميلتان المخصصتان لنا فقط –كرجال أعمال – وتوزعان علينا المناديل المعطرة ... ثم كوباً من العصير حسب رغبتنا ... ثم أحد أنوع الحلوى اللذيذة ( الملبس أو الأرواح كما ينطقها بعض الفقراء الذين يجلسون فى الجزء الخلفى من الطائرة ) ... وإذا أردت خلع جاكيت البذلة فستأخذه منك المضيفة لتعلقه على مشجب بالداخل .... وعندما يحين وقت الغذاء فلن يضعوا لك الطعام مباشرة ... بل سيعطونك قائمة طعام Menu لتختار منها ما تشاء .. وكالمطاعم تأتيك السلطة أولاً ثم بقية الطعام ... ثم المشروب الذى تريده يا سعادة الباشا ...
أضعت وقتى فى مشاهدة فيلم لمستر بين ... ثم داى هارد الجزء الرابع وكثير من الهجص المعتاد لبروس ويلز ... حتى وصلت الطائرة إلى مطار القاهرة وحطت بسلامة الله ...
وفى مطار القاهرة كدت أن أتعارك مع أحد المصريين الهمج .... تباً ... لقد عدت إلى أكثر بلاد الله همجية مرة أخرى بعد ثمانية عشر يوماً من الغربة ... يا أهلاً بالمعارك ... ويا بخت من يشارك .....
قد يسألنى أحدكم ... ألم يعجبك شئ فى الجزائر ؟؟؟
وأجيبهم : بلى .. هناك ما أعجبنى فى الجزائر بالطبع ... وهل توجد دولة جميع ما فيها سئ حتى ولو كانت الجزائر ؟؟
مما أعجبنى فى الجزائر ولا يمكنك رؤيته إلا فى الشيراتون تلك النادلة المكتنزة التى كانت تعمل فى البوفيه المفتوح صباحاً ... كانت تدخل من البوفيه إلى المطبخ حاملة بعض الأطباق المتسخة ولكنها لم تكن تعانى من أى صعوبات فى فتح الباب ... كنت أتصور فى البداية أن الباب يفتح أوتوماتيكياً عند وقوفها أمامه ولكنى اكتشفت أن لديها من الأسلحة ما يمكنها من فتح الباب دون أن تلمسه ... بيديها..
مما أعجبنى أيضاً فى الجزائر موظفة الاستقبال – التى أظن أنها لبنانية – ممتلئة القوام التى حلت لى مشكلة الكارت الذى رفض أن يفتح لى غرفتى ذات يوم وأخبرتنى أن حجزى سينتهى اليوم .. ثم جددته لى من أجل سواد عيونى – نفس الموقف حدث لى فى الخرطوم لو أن أحدكم يتذكر –
من الأشياء الرائعة كذلك فى الخرطوم شوربة الحريرا – التى سبق الحديث عنها – واللحوم بصفة عامة والبطاطس المقلية والطماطم وسلطة النسواج أو النسواش أو النسواس ... وهى عبارة عن سلطة خضراء عادية عليها تونة وبيض مسلوق وبعد السوائل غريبة الشكل ... جميلة الطعم ..
وقد شرح لى أحد الزملاء الجزائريين سبب جمال طعم اللحوم وخاصة لحوم الكباش أو الجديان .. السبب هو أن هذه الحيوانات تأكل من المراعى الطبيعية فى الجبال .. وهذه المراعى ينمو فيها نبات الشيح بكثرة ... مما يعطى لحومهم رائحة ونكهة طيبة جداً سببها الشيح .... ربما هو صادق .. عامة لست من هواة الشيح أساساً
شئ آخر أعجبنى هو البايلا التى يقدمها مطعم الأندلس الموجود بالفندق .. وعن البايلا أحدثكم ... هى عبارة عن وجبة تكفى اثنين .. تكفيهم تماماً .. تتكون من الأرز المخلوط بالكثير من السبيط والجمبرى ومختلف أنوع الأسماك .. والجمبرى الكبير والكابوريا ذات الأيادى الطويلة .. لدرجة أننى رفضت أكل أحد الكابوريات لأنى خفت منها فعلاً .. كانت تشبه الآلى المقص أقوى أعداء مازنجر على الإطلاق ... والله العظيم لقد خفت منها فعلاً ... كانت تصلح كشخصية كارتونية أو فى أحد أفلام الرعب ... فيلم عودة الكابوريا القاتلة ... ولكنها مع ذلك وجبة مؤرقة الكمية .... ومؤرقة الجمال .
حسن ..... لقد انتهيت ..... هل من تعليقات ؟؟؟
ماذا ؟؟؟ نسيت أن أحدثكم عن شريكى وشريكتى فى الرحلة من القاهرة إلى وهران ؟؟ لا أذكر أننى وعدتكم بذلك ... حسناً ... أنا أكذب .... إننى أذكر وعدى جيداً .. ولكن كرهى للجزائر والعمل فيها لا يدع لى مجالاً للحديث عن الأشخاص الظرفاء اللطفاء ... فليكن لهما موضع حديث آخر إذن ...
سألتنى صديقة : لماذا أحببت السودان وكرهت الجزائر ؟؟
قلت لها : بلد استقبلتنى بالأمطار وبلد استقبلتنى بزلزال ... فأيهما أحب وأيهما أكره ؟؟؟
عشر نصائح لمن يسافر إلى الجزائر :
1. لا تحاول الحديث بالعربية
2. لا تحاول الحديث بالإنجليزية
3. لا تحاول الحديث بالعامية المصرية
4. لا تحاول الحديث بالعامية الجزائرية
5. لا تتحدث بغير الفرنسية
6. لا تحاول المجادلة مع الجزائريين
7. لا تحاول مصاحبة الجزائريات لأن معظم الجزائريين كالصعايدة فيما يتعلق بالشرف
8. لا تحاول مصاحبة الجزائريات من القلة اللاتى ليس لديهن أهل من الصعايدة .. فالجزائر تعانى من أزمة حقيقية فى مستوى الجمال
9. لا تحاول البحث عن ساندويتش فول إذا اشتهته نفسك
10. لا تحاول شرب شيشة معسل
نصيحة أخيرة :
إذا دعتك قدرتك إلى ظلم الناس ... فتذكر قدرة الله على إرسالك إلى الجزائر
فجأة وبلا مقدمات .... " إنت مسافر الجزاير يوم السبت " .....
فعلت كل ما يمكنكم تخيله ... اندهشت ... تعجبت ... صدمت ... ولكننى بالطبع وافقت ... فهذا هو ما يسمونه : حكم اللحمة على الجعان
تساءلت عن خط سيرى ... فتلقيت صدمتى الثانية ... سوف تتحرك من القاهرة فى الثامنة والنصف صباحاً لتصل إلى الجزائر العاصمة فى الواحدة ظهراً .... ثم تستقل الطائرة من العاصمة الجزائرية إلى وهران فى التاسعة إلا ربع مساءا .... معنى هذا أننى سأظل ملقى كالكرسى القديم المهمل لمدة ثمانية ساعات إلا ربع ... تساءلت عن المسافة من العاصمة إلى وهران فقيل لها أنا تستغرق بالطائرة خمسة وأربعون دقيقة ... معنى هذا أنها تستغرق بالسيارة ثلاث ساعات تقريباً .... وقديماً قالوا : الوبا ولا الغبا .... ننتظر فى المطار قرابة الثمانى ساعات رغم أن الرحلة بالسيارة تستغرق ساعات ثلاث ... اللهم لا اعتراض ....
أعود بكم إلى ما قبل السفر قليلاً ... فقد قامت شركتنا الميمونة بشراء مصنع فى الجزائر الشقيق يدعى زهانة ... ومنذ حوالى شهر تقريباً والكثير من الزملاء هناك ... ولكى تعلموا مأساتى يجب أن تعلموا أننى ذاهب لأجد هناك السيد العضو المنتدب والسيد المدير المالى والسيد المراقب المالى .... إذن فسوف تكون علقة شغل محترمة – هكذا قلت لنفسى - ...
مأساة أخرى قابلتنى عندما طلبوا منى إحضار الكثير من الملابس معى فالجو بارد جداً كما أن إقامتى قد تطول لمدة أسبوعين .... ومع هذه المفاجأة لم أجد لدى حقيبة سفر كبيرة فجهزت حقيبتين صغيرتين ... بالإضافة للاب توب .... ورزقى على الله .... – كالمهاجر كنت –
كنت أسافر هذه المرة بحمل ثقيل على رأسى – ولا تسخروا منى – كان هذا الحمل هو انتظار الزملاء لمذكراتى من الجزائر .... كما كتبتها من قبل من الخرطوم
اتفقت مع بعض أصدقائى أن يبيتوا معى ويوصلونى إلى المطار فى السابعة تقريباً ... سمعت أغنية للشاب خالد تقول كلماتها : " وهران .. وهران .. رحت خسارة " .... ياللتفاؤل ....
ولمن لا يعلم فسوف يسافر معى فى نفس الرحلة مدير الموارد البشرية وسكرتيرته ..... وسوف أحدثكم عنهم لاحقاً عندما أتعرف إليهما أكثر ... وهناك ينتظرنى الكثير من العمل .. والكثير من الرؤساء ... والكثير من العبودية .... ربنا يستر ....
جهزت الحقائب ... نظرة أخيرة على الأشياء التى لا أتذكرها أبداً إلا عندما أحتاجها ... فرشاة الأسنان ومعجونها ... شاحن الموبايل ... فرشاة الشعر .. الكاميرا – ولا أدري ما حاجتى لها هناك .. فالعمل سوف لن يدع لى وقتاً للتصوير - .... توكلنا على الله ... لقد وصل أصدقائى والساعة الآن العاشرة ... سنتحرك بأمر الله فى تمام السادسة صباحاً ...
السبت 5/1/2008
تحركت من المنزل فى الخامسة والنصف مودعاً أمى المستيقظة دوماً وانطلقت مع أصدقائى إلى المطار... وكالعادة – ولا قطع الله لنا عادة – ضللنا طريقنا إلى المطار وسألنا العديد من الأشخاص حتى وصلنا لصالة رقم 2 ... لنكتشف مرة أخرى أن الرحلة ستقلع من صالة رقم 1 ... توجهنا إلى هناك ... تعانقنا باستظرافنا المعهود ... أعطانى أحدهم سلسلة فضية تحمل آية الكرسى .... تركتهم ودخت إلى الصالة وبعد عدة تليفونات قابلت شريكي وشريكتى فى الرحلة جالسين فى المنطقة المخصصة لخدمة القوات المسلحة ... فلشريكي معارفه الذين يستطيعون دوماً إنهاء كل الإجراءات ... جلسنا كالباشوات فى منطقة خدمة القوات المسلحة وأخذ أحدهم حقائبنا وجوازات سفرنا وتذاكرنا وعاد لنا بعد ربع ساعة لينطلق بنا كمجموعة من V.I.P ويدخلنا إلى الطائرة دون زحام ... وقد كان .. ولكن الطائرة كعادة مصر للطيران – وكل خطوط الطيران العربية - تأخرت فى الإقلاع حوالى نصف الساعة ... وركبنا ولم نجد مكانا فى درجة رجال الأعمال التى حجزنا عليها فجلسنا فى الدرجة الاقتصادية حانقين غاضبين .. ولكن مضيفة حلوة اللسان جاءت إلى شريكتى وقالت لها لا يوجد أى فارق بين درجة رجال الأعمال والاقتصادية ... وأنها ستقدم لنا أى خدمة نريدها حتى لو كانت متوفرة لرجال الأعمال فقط كاستعمال الحليب السائل مع القهوة بدلاً من مسحوق مبيض القهوة ... كدت أهتف بها أننى أريد شيئاً واحداً من درجة رجال الأعمال هو أن أستطيع فرد أقدامى قليلاً .. فالمسافة بين كل كرسى والذى يليه فى الاقتصادية ضيقة إلى درجة لا يمكن تصديقها ولكننى تراجعت على آخر لحظة خوفاً من إغضابها فتدس لى السم فى القهوة ذات المبيض ...
انطلقت الرحلة فى سلاسة ودون مشاكل باستثناء بعض المطبات الهوائية القوية وباستثناء تشغيل فيلم فتح عينيك ثم قطعه وتشغيل فيلم واحد من الناس ....
المهم أن الرحلة مرت فى سلام ودون خسائر سوى أقدامى التى تحطمت من فرط الانثناء ... أنا لست طويلاً ولم أدع يوماً أننى طويل ... ولكننى عرفت الآن فقط شعور أصدقائى حينما يجلسون على الكنبة الخلفية لسيارتى الألتو الصغيرة ....
هبط الكابتن هبوطاً جميلاً لم نشعر بأن عجلات طائرتنا لمست الأرض فيه ... وأخبرنا أن درجة الحرارة بالخارج أحد عشر درجة مئوية ... وأن الساعة هى الثانية عشر .... فالتوقيت فى الجزائر يتأخر عن التوقيت فى مصر بساعة .. ومعنى هذا - ببساطة - أن أمامنا تسع ساعات إلا ربع .... أوف ... دعونا الله أن نجد أماكن على أى من الطائرات المتجهة من الجزائر إلى وهران قبل طائرتنا لنستقلها...
أثلج شريكى صدرينا عندما قال لنا أحد أصدقائه سينتظرنا فى المطار وسنقطع الساعات الطويلة فى مشاهدة الجزائر العاصمة ...
قابلنا الرجل وخرجنا من المطار حيث لم نجد مكانا شاغراً على أى طائرة سابقة لطائرتنا ... ولكنهم يقومون فى مطار الجزائر بفعل غريب .. فإذا دخلت إلى البلد ومعك دولارات يجب عليك إثبات ذلك فى المطار وتأخذ منهم مستنداً رسمياً يثبت أن معك دولارات ... ولا أعلم ما سبب هذا الإجراء ...
ما علينا ... قابلنا الرجل الذى رحب بنا بحفاوة تذكرك بأبناء محافظة الشرقية الكرام ... وانطلق بنا بسيارته إلى قلب الجزائر العاصمة ليدعونا إلى الغداء فى أحد المطاعم ...
أثناء السير فى لاحظت أن طرقات الجزائر جميعها عبارة عن مرتفعات ومنخفضات متواصلة .. كبارى وأنفاق وانحناءات مرعبة ... كما لاحظت أن جميع شوارعهم تقريباً شوارع جانبية عبارة عن اتجاهين كل اتجاه حارة واحدة ... أو اتجاه واحد عبارة عن حارتين .. ولم أشاهد خلاف ذلك سوى طريق واحد يتكون من 4 حارات .....
ملاحظة أخرى لاحظتها هى أن الجزائر تتميز – وليس معنى كلمة تتميز أنها تحمل صفة جميلة فتتميز تعنى تتسم أو تتصف - بأسوأ الطرقات تخطيطاً ربما على مستوى العالم ... فالمنحيات تتداخل مع الميادين التى تحمل عشرين اتجاهاً كل اتجاه يخرج منه أربعون سيارة .... تخطيط بشع يتيح لك الموت السريع بحادث سيارة .. وبسبب ضيق الطرق فجميع سائقى السيارات يحاولون القيادة بمنتهى السرعة ليظفروا بمكان فى مذبحة القلعة هذه ....
وبما أننا نتحدث عن الطرق فللسيارات طريقة مميزة جداً فى الترقيم – تماماً كما للسودان طريقة مميزة- ... فأول رقمين على يمين لوحة المفاتيح هما رقم الولاية – أى المحافظة – والثلاثة أرقام التى تليها هى موديل السيارة... وبقية الأرقام هى رقم رخصة السيارة نفسها ... نظام بسيط وجميل وممتع وسهل ....
والطرق ممتلئة بضباط يطلقون عليهم : الدرك الوطنى ... وهو أحد أجهزة الأمن الجزائرية .. وعندما تمر أمامه لابد أن تهدئ من سرعتك تماماً وتفتح نافذة سيارتك حتى يشير لك بالعبور ... ولو كان الوقت ليلاً فلابد أن تضئ نور الصالون بالسيارة .... وهذه أشياء لا مزاح فيها ...
وأخذ دليلنا فى المدينة يتحدث بالفرنسية – بكسر الفاء كما ينطقونها هناك - ... وكانت شريكتى تحاوره فى عفرتة وشيطنة ... فهو يتحدث الفرنسية كما يتحدث بيكهام الإنجليزية وهى تتحدثها كما يتحدث روبرتو كارلوس البرتغالية .... وعندما شعرت أننى كالحمار الذى لا يفهم شيئاً وطلبت منه أن يتحدث العربية اعتذر لى بأن لغته العربية ضعيفة ولكنها سيحاول من أجل عيونى – لا أعرف ما سر عيونى بالضبط - ؟؟؟
ذهبنا إلى المطعم وجاءت النادلة لتتحدث بالفرنسية .... وتعطينا قائمة الطعام بالفرنسية .... ونظرت لكل من حولى فوجدتهم يتحدثون الفرنسية .....
عندها علمت أن الجزائر لم تتحرر بعد من الاحتلال الفرنسي ... فرغم رحيل العساكر الفرنسيين ورغم كفاح عشرات الأبطال من أجل تحريرها إلا أنهم – الجزائريين – لا يزالون متمسكين إلى أقصى درجة باللغة الفرنسية ... ولو علمت جميلة بوحريد أنهم سيتمسكون بالفرنسية أكثر من تمسكهم بتراثهم العربى لما فعلت ما فعلته ولا تحملت ما تحملته من أجل وطنها .. ولما ذاقت العذاب فى السجن الحربى بوهران التى نحن مقبلون عليها ... - وبالمناسبة لم أشاهد شارعاً واحداً يحمل اسم جميلة بوحريد .. وقال لى أحد الزملاء المصريين أن الجزائريين محوها تماماً من ذاكرتهم بسبب زواجها من فرنسى -
للأسف .. الجزائريون هم مأساة الجزائر ... شعب يعشق التهمش .... يحب أن يكون مهمشاً .. وافق بسهولة أن يكون ظلاً لفرنسا .... تلك الدولة التى احتلت أرضه ما يفوق القرن ونصف قرن ... بينما نحن المصريين عندما دخل الفرنسيون أرضنا قاومناهم حتى تحدثوا هم العربية وحلق مينو رأسه وسمى نفس عبد الله وتزوج من امرأة مصرية ربما تدعى ابتسام أو عواطف أو حتى نرجس ... المهم أننا وصلنا إلى فندق شيراتون وهران ودون عشاء ودون أى شئ نمنا كالببغاوات المرهقة حيث أننا علمنا أن الأوتوبيس يتحرك من أمام الفندق إلى الشركة فى تمام السابعة .. ومعنى ذلك أننى سأستيقظ فى السادية تماما ... تبا لى ولهم ... وضعت رأسى على الوسادة وفى أقل من دقيقة كنت قد رحت فى أعمق سبات فى التاريخ .
الأحد 6/1/2008
كان من المفترض أن أحكي لكم عن تفاصيل حياتى اليومية يوماً فيوماً كما فعلت إبان فترة اعتقالى فى السودان ... ولكن بغضى للجزائر والفراغ الذى عشت فيه بعيداً عن العمل دفعنى دفعاً لاختصار الكتابة...
كان برنامجى اليومى هو الاستيقاظ فى السادسة صباحاً والنزول لتناول الإفطار فى الأوبن بوفيه .. وكان إفطارى فى الغالب عبارة عن قطعة من اللانشون وبيضتين مقليتين وقطعتين من السجق وقطعتين من الخبز وبعض الطماطم وعلبة مربى ... ثم فنجان من الشاى بالحليب مع ثلاث قطع كرواسون بالشيكولاتة ... ثم أجلس إلى النت قليلاً فى اللوبى حتى ينتهى الجميع من إفطارهم ونستقل الأوتوبيس إلى مقر المصنع الذى يبعد حوالى الساعة إلا ربع عن الفندق ....
وعن المصنع أحدثكم ... هو مصنع حكومة ... والشركة صاحبة المصنع شركة قطاع عام .. والموظفون الذين يعملون فى الشركة صاحبة المصنع هم موظفو قطاع عام ... تماما كما كان القطاع العام فى مصر منذ ثلاثين سنة ... تخيلوا أنتم الوضع
وهم – فوق بيروقراطيتهم – يتميزون بالجهل المطبق .... لا يفقهون شيئاً فى المحاسبة لدرجة أننى – وأنا المحاسب قليل الخبرة إلى أبعد الحدود – كنت أبدو أمامهم كخبير أجنبى ....
وكان يعمل معنا فى فحص ملفات الشركة أربعة محاسبين من KPMG ... وعندما أقول KPMG فى مصر فأنا أعنى أقوى المراجعين الذين يثيرون الرجفة فى قلوب المحاسبين ... أما هنا فى الجزائر فالوضع يختلف تماماً ... فقد أرسل لنا KPMG مجموعة مكونة من 4 أفراد ... ثلاث شبان وفتاة ... شابان منهما يتمتعان بالخبرة والمهارة والشاب الثالث والفتاة لا يتمتعان بأى شئ يمكن لمحاسب أن يتمتع به .... وأنا – بحكم مركزى كخبير – لم أكن مستعداً لتقبل أى خطأ من المراجع الشاب .. ولكننى – بحكم طبيعتى كرجل - كنت بالطبع مستعداً لتقبل جميع أخطاء الفتاة ... كلا هى لم تعجبنى ...... أقصد أنها لم تعجبنى كثيراً ... كنت أعنى أنها ليست أكثر من أعجبنى من من قابلتهم من الفتيات فى حياتى بالطبع ... ولكن هذا لا يمنع إننى " استلطفتها " كثيراً وحزنت عندما عادت إلى الجزائر العاصمة.. تباً لكم ... لا تبتسموا هذه الابتسامة الخبيثة ... على العموم فإن رقم هاتفها معى ... وسترونها حين تزور مصر على يدى إن شاء الله ....
أعود لموضوعى الأساسى ... كلا ليس الجزائر .. بل هو الفتاة ... كانت تقص شعرها على طريقة "ألا جارسون " الشهيرة .. وترتدى نظارة طبية كبيرة نوعاً ما ... هى ليست على قدر كبير من الجمال – كما هو حال معظم فتيات الجزائر المكتئب .... ولكن شيئاً ما فيها يجذبك .. ربما هو أسلوبها فى الكلام .. ربما نظرتها حين تتطلع إلى الأرض عندما تحدق فى عينيها وأنت تحدثها ... ربما هى نظارتها – وأنا أعشق الفتيات ذوات النظارات الطبية - ... ربما هو حداثة عهدها بالعمل وقلة خبرتها به مما يعطيني شعوراً محبباً بالتفوق ... ربما هو اسمها ذو الطابع الملفت الذى يأخذك إلى عالم ألف ليلة وليلة ... اسمها شهرزاد ..... وعندما قدمت لى نفسها ظهرت على وجهى ابتسامة وأنا أذكر لها اسمى الحقيقى .... شهريار ......
المهم ... دعك من شهرزاد ومسرور السياف ... فقد قرر السيد رئيسى أن يكتفى بهذا القدر من عمل شهرزاد وزميلنا الآخر وعادا إلى العاصمة ظهر يوم كئيب
وهكذا مضت الأيام .. نذهب إلى المصنع ... نعمل ... نخرج من المصنع إما فى الرابعة عصراً أو فى السادسة والنصف ... نعود إما إلى الفندق أو إلى المطعم اللبنانى ... ولم يكن مكان تناول الغذاء يختلف عن مكانين ... إما المطعم اللبنانى القريب من الأوتيل ... أو مطعم الأندلس الموجود داخل الأوتيل والبايلا الرهيبة التى يقدمها رغم ارتفاع سعره .... وبالطبع قبل الأكل وبعده الكثير من دخان الشيشة ... لا لشئ سوى لمجرد الشعور بأنك لم تغادر أرض الوطن
ويتميز حجر الشيشة فى الجزائر بأنه يعيش لفترة طويلة ... ربما بسبب الولعة التى تختلف عن الولعة الموجودة فى مصر ... فالولعة لديهم هى عبارة عن قطعة فحم تشبه الكازوزة يتم تسخينها قليلاً بالكبريت ويتم وضعها على الشيشة بعد ذلك .. وقال لى أحدهم أن هذا النوع من الولعة موجود فى بعض الأماكن فى مصر واسمه الولعة السريعة أو الإشعال السريع .. لا أدرى هل هى موجودة بالفعل أم أنه كان يخدعنى ؟؟
وفى الفندق بعض العمل .. بعض التلفزيون .. بعض النت .. القليل من القراءة ... وبعض النوم ....
وفى يوم من ذات الأيام وبينما كنت أستعد للنوم فوجئت بالفندق يهتز بشدة ... اهتزاز شديد حقيقى وليس مجرد شخص يجرى فى الدور العلوى ... وقبل أن أستوعب الموقف وأجرى من مكانى إلى الخارج توقف الاهتزاز ... اتصلت بالاستقبال – لا أدرى لماذا – وسألتهم : ما الذى حدث ؟ فأجابنى أحدهم بمنتهى البرود : لا شئ ... إنه زلزال ... لا تقلق
كيف لا أقلق ؟؟ زلزال قوى .. والفندق يتكون – على ما رأيته – من زجاج يفصله عن بعضه بعض المعادن البسيطة ... ولا تريدنى أن أقلق ؟؟ بل سأقلق ....
المهم أننى هدأت عندما علمت أنه زلزال وأنه لا داعى للقلق فذهبت إلى النوم .. واستيقظت على اهتزازات خفيفة ثلاث مرات فى هذا اليوم
فى صباح اليوم التالى عرفنا من نشرة الأخبار فى إذاعة وهران أن الزلزال كانت قوته 5.3 درجة بمقياس ريختر ... – أو على سلم ريشتر كما نطقتها المذيعة - ... ثم أتبع الزلزال بعض التوابع تتراوح ما بين 2 – 3.5 على سلم ريشتر – أو على مقياس ريختر كما أنطقها أنا –
يتسم الشعب الجزائرى بالعصبية المفرطة ... يتحدث إليك بخلق أضيق من ثقب الإبرة .... تشعر أنه يريد أن يضربك بالرصاص ليرتاح منك ومن شكلك ... فإذا كانت هذه هى طبيعتهم فكيف تتوقعون تعاملهم مع موظفى الشركة التى اشترت شركتهم مع توقعهم بأننا سنفصلهم من العمل فى أى وقت ؟؟
كما يتسم – معظم من قابلتهم – بالبخل الشديد ... ذلك البخل الذى يعطى أحدهم الجرأة على أن يعمل معك من الثامنة صباحاً حتى الثانية ظهراً ثم يتناول غداءه أمامك دون أن يفكر فى دعوتك ولو من باب المجاملة ..... تباً للبخل الجزائرى أو للكرم المصرى ....
اليوم تذوقت حساءاً غريباً جداً فى مطعم الأندلس ... يسمونه : " حريرا " .. وهو حساء مغربى فى الأساس ولكنه انتشر فى دول المغرب العربي كلها ... أحمر اللون مثل الصلصة وبه " لسعة حرقان " خفيفة ولكنها – يالدهشتى - محببة إلى النفس
اليوم هو الجمعة ... سمعت من مديرى خبراً كاد أن يقتلنى سروراً وسعادة .... سأعود بإذن الله إلى مصر يوم الإثنين ... يومان فقط وفى الثالث سوف أطير ...
علىَّ أن أبدأ إذن فى ترتيب أمور سفرى وحجز التذاكر اللازمة ....
كالطفل كنت أستعجل يوم الرحيل عن الجزائر ... ربما لم أمقتها بهذا الشكل على قدر ما كرهت العمل فيها والإقامة فى مدينة وهران الميتة قبلاً ...
وطبعاً بفضل حسد زملائى الأعزاء على غرار : الله يسهل له راجع مصر .... لم أستطع حجز تذكرة يوم الاثنين .. فاضررت لحجزها يوم الثلاثاء ... وهران الجزائر – الجزائر القاهرة
ويمر السبت والأحد ... اليوم هو يوم سعدى ولا شك ... فأولاً أنا عائد – بمشيئة الله – إلى وطنى غداً
وثانياً ذهبت إلى أحد المطاعم لتناول العشاء فوجدت عندهم فولاً ... والفول للمصرى كالماء للسمك ... شعرت بأننى عدت إلى الوطن
وثالثا: شاهدت جزائرية جميلة .. وهى معجزة لا تقل عن معجزة الفول فى الجزائر
ودعت أصدقائى .... ونمت فى الواحدة صباحاً استعداداً للاستيقاظ فى الرابعة لألحق بأوتوبيس الشيراتون الذى يتجه إلى مطار وهران فى الخامسة والنصف لألحق بطائرتى فى السابعة إلا الربع .
استيقظت – بعد مداولات مع محمولى – فى تمام الرابعة والنصف ونزلت إلى بهو الفندق وأجريت إجراءات المغادة ثم إلى الأوتوبيس ثم إلى المطار ... وكان معى حقائبى الثلاث ..
استقبلنى موظف الاستقبال فى المطار بود مبالغ فيه وأخذ يصف لى كم أننى " منور البلد " ومرحباً بك يا مصرى يا شقيق ... ثم سألنى : شربت قهوتك اليوم ؟؟؟ أجبته أننى شربتها – لأتخلص من لزوجته- فقال لى أنه لم يشربها بعد .. وأخذ يكرر أريد بعض القهوة .. ثم أخرج من جيبه عملة معدنية – لعلها مائة دينار – وقال لى أن هذا ثمن القهوة هنا ...
آاااااااااااااااااه ... لقد فهمت ... إنه يريد نوعاً من البقشيش – لست أدرى لماذا - .. والأهم من أنى لست أدرى لماذا ..... كيف يطلب ضابط فى مطار يختم لك جواز سفرك بقشيشاً منك ؟؟ لقد تصورت أن لدينا فى مصر الحد الأقصى من الضباط اللى بياكلوها والعة ... المهم أننى استعبطت وتظاهرت بأنى لم أفهم مقصده وبعد أن يئس منى أنهى لى أوراقى وقبل أن أنطلق قلت له : " عندنا فى مصر اسمها الشاى مش القهوة .. قول للزباين عايز الشاى بتاعى وهم هايفهموك " ... ثم انطلقت
أنهيت إجراءاتى سريعا وبينما أنا أصعد إلى الطائرة شاهدت جميع الحقائب ملقاة على أرض المطار بجوار الطائرة دون عناية .. تباً ... متى سيضعونها فى الطائرة؟؟؟
أخذت مقعدى المفضل – بجوار النافذة – وبدأت أتململ ... متى ستتحرك الطائرة متجهة بى إلى الجزائر ؟؟ صوت المضيفة يعلو فى الطائرة : الرجاء من السيد مختار أحمد مراجعة مضيف الطائرة للأهمية ( هم فى الجزائر ينطقون اسم الأب قبل اسم الابن ) .... شعرت بالصدمة .. فقد تصورت أننى أفوق ذلك فى الأهمية وأن اسمى لن ينادى عليه إلا مقترناً باسم كابتن الطائرة أو مساعده على أقل تقدير .. المهم أننى توجهت إلى المضيف فأشار إلى حقيبتين يتميتين تقفان وحيدتين على أرض المطار.. ( ترى أين رأيتهما من قبل ؟؟؟ ) وسألنى : ألا تريد حقائبك ؟؟
( آه ... لقد تذكرت أين رأيتهما ... إنهما حقيبتاى ... )
أجبته : نعم .. لقد وضعتها على السير لتدخل إلى الطائرة
فأفهمنى بسلامته أنهم يأخذون الحقائب ويلقونها على أرض المطار وتكون هناك سيارة واقفة وعلى كل فرد أن يأخذ حقائبه – التى سبق أن سلمها لهم – ويضعها على متن السيارة التى ستضعها بدورها على متن الطائرة . يالسعادتى ... لقد أصبحت أخيراً شخصاً مهماً يتسبب فى تأخير إقلاع الطائرات ...
طار بنا الطيار – الذى كان فى الأساس طياراً فى إحدى ألعاب الplay station على ما يبدو – وأخذ يتلاعب بنا متذكراً إبداعاته فى ألعاب star war و 007 الشهيرتين ....
هذه المرة أنا أسافر وحدى .... مما يصيبنى بالفزع ... فبطل الفيلم لا تسقط به الطائرة إلا عندما يكون وحيداً .... وكان من المفروض أن أسافر يوم الاثنين وتم تغيير الميعاد فى اللحظات الأخيرة .. تماما كما هو حال أبطال الأفلام الذين تسقط بهم الطائرات بعد تغيير ميعادها فى اللحظات الأخيرة ... ومما يعزز خوفى أن أحد أصدقائى أعطانى سلسلة وأوصانى بعدم خلعها من عنقى أبداً .. دعونى أسألكم .. كم من أبطال الأفلام ماتوا بعد أن أعطاهم أصدقائهم سلاسل فضية وطلبوا منهم أن لا يخلعوها من أعناقهم أبداً ؟؟؟ عموماً سأعتمد على الله ثم على أننى لست بوسامة عمر الشريف فى فيلم فى بيتنا رجل ولأدعو الله أن أصل بالسلامة إلى يابسة الوطن المبللة بماء المطر الغزير ...
وصلنا إلى مطار وهران ... احتسيت الشاى فى الكافيه وجلست لأكتب قليلاً فى انتظار وصول طائرة صديقى فى العمل الذى من المفترض أن أقابله لمدة ساعة هى المسافة الزمنية ما بين وصوله وإقلاعى إلى القاهرة ...
سألت ضابط الأمن الواقف بجوار الميزان : أين أضع حقائبى ؟؟ فأشار لى بقرف إلى أحد السيور وقال: حطهم هنا ... فكلزه زميله الذى أعطيته باسبورى وتذكرتى وهمس له بصوت تعمد أن يصلنى : الباشا بيزنس .... فظهر الفزع على وجه الضابط وأشار إلى سير آخر فارغ تماماً وقال باحترام : هنا يا سعادة الباشا ... ثم حملهم بنفسه ووضعهم على السير مبتسماً ... كل هذا لأننى أسافر بيزنس كلاس؟؟ بركاتك يا اللى فى بالى ...
وهكذا أنهيت إجراءاتى وما زال أمامى ثلاث ساعات على ميعد طائرتى ... جلست أضيع بعض الوقت فى القراءة والكتابة والتسكع فى المطار وشرب الشاى بلبن فى أكثر من كافيه ولم أقابل صديقى لتأخر طائرته قليلاً حتى جاء موعد دخولى لصالة انتظار الطائرة ... فوجئت بتفتيش دقيق بشكل غير طبيعي .. كان على أن أخلع سترتى وأضعها داخل جهاز الكاشف " السونار " وكذلك أضع موبايلى داخل الكاشف أيضاً .. ومن باب الرخامة وضعت له أيضاً بعض العملات المعدنية مع الموبايل ... فليكن تفتيشاً إذن .. وبالطبع لقد أصدر جهاز كشف المعادن صافرته المميزة التى تعلن عن مرور ابن لادن تحته عند مرورى ... فحتى مع تخلصى من من الموبايل والجاكيت والعملات المعدنية مازال هناك الحزام والحذاء ذو الأجزاء المعدنية .. وربما السلسلة الفضية إياها تزعج الجهاز أيضاً ... المهم أن الضابط فتشنى بدقة خبير كيميائى ثم تركنى أعبر ... لأصل إلى الرجل الذى سيسألنى عن ما معى من نقود وإذا أخبرته أن معى دولارات فيجب على أن أعطيه إيصال تسجيل الدولارات الذى أخذته عند دخولى للجزائر ... وبالطبع ليس معى هذا الإيصال .. وهكذا خبأت نقودي جيداً فى حقيبة اللاب توب وقمت بأول عملية تهريب فى حياتى ... 800 دولار وحوالى 3000 دينار جزائرى
جلست فى الصالة ما لا يزيد عن خمس دقائق ثم انتظمت فى طابور دخول الأنبوب المفضى إلى الطائرة لا أحمل إلا حقيبة اللابتوب .. وفى نهاية الأنبوب قبل الطائرة شاهدت عملية تفتيش دقيقة جداً للحقائب... أخرجت الدولارات – التى اتفقنا أنها مهربة – ووضعتها فى جيبى ووصلت "للست المفتشة" التى أخرجت أحشاءها ( أحشاء الحقيبة وليست المفتشة ) .. حتى وصلت للممنوعات التى معى ... زجاجة العطر ... ورفضت أن أصعد بها إلى الطائرة لأنها تحتوى على سبرتو ويمكن استخدامها فى عمليات إرهابية ... نشفت دماغها ونشفت دماغى ... وطبعا لا يوجد أنشف من الدماغ المصرى .. وهكذا أعطتنى عطرى ودخلت الطائرة وخلفى زوج من المصريين الذين يفضحوننا فى كل المطارات ... كل منهم يحمل شنطة بلاستيك بها بعض البلح ليتسلوا به أثناء الرحلة ... يمكنك ببساطة أن تعرف مكان تواجد المصريين من خلال نوى البلح أو قشر اللب على الأرض ...
دخلت أخيراً إلى الطائرة ... على يمينى الدرجة الاقتصادية .. وعلى يسارى درجة رجال الأعمال أو ما يسمونه البيزنس كلاس ويفصلهما ستار ... دخلت إلى اليسار حيث مكانى ... وعن ال Business Class أحدثكم ...
جزء فى مقدمة الطائرة بعيداً عن المحركات وهدير المراوح المزعج .. يتكون من 24 كرسى لا أكثر فى ثلاثة صفوف طولية وأربعة صفوف عرضية ... كرسيان فى اليمين وكرسيان فى الوسط – حيث كان مكانى – وكرسيان فى اليسار ... وبين كل كرسيين واللذين يجاورانهما أو يليانهما مكان متسع جداً حيث يمكنك الجلوس كما تشاء ... وكل كرسى على حدا له ترابيزة للطعام تخرج من مسند اليد الأيسر وشاشة دى فى دى فى الجزء الأمامى من مسند اليد الأيمن عليها الكثير من الأفلام يمكنك مشاهدة ما يروقك منها مع وجود ريموت كنترول فى الجزء الخلفى من مسند اليد الأيمن لتقديم أو تأخير أو إعادة أو تحويل الفيلم .. فهو لك وحدك ... هذا بخلاف الألعاب الموجودة على الشاشة والموسيقى والراديو والإنترنت والفاكس والتليكس والتليفون ورسائل الSMS .. كل هذه الأشياء فى الشاشة التى أمامك والريموت كنترول ... أما الكرسى نفسه فيمكن إرجاع ظهره للخلف حتى يصبح سريراً ( فالمسافة بينك وبين الكرسى الذى خلفك واسعة جداً ) ... كما يمكن فرد الجزء السفلى منه ليتحول إلى ما يشبه الشيزلونج ... وظهر الكرسى نفسه يمكن التحكم فى درجة انبعاجه أو فلطحته ... ومقعد الكرسى بإمكانك تقديمه للأمام أو إرجاعه للخلف ... كل هذا بضغطات أزرار بحيث تحصل على أكبر قدر ممكن من الراحة ... وهناك أيضاً ما إن يصعد الجميع حتى تأتى المضيفتان الجميلتان المخصصتان لنا فقط –كرجال أعمال – وتوزعان علينا المناديل المعطرة ... ثم كوباً من العصير حسب رغبتنا ... ثم أحد أنوع الحلوى اللذيذة ( الملبس أو الأرواح كما ينطقها بعض الفقراء الذين يجلسون فى الجزء الخلفى من الطائرة ) ... وإذا أردت خلع جاكيت البذلة فستأخذه منك المضيفة لتعلقه على مشجب بالداخل .... وعندما يحين وقت الغذاء فلن يضعوا لك الطعام مباشرة ... بل سيعطونك قائمة طعام Menu لتختار منها ما تشاء .. وكالمطاعم تأتيك السلطة أولاً ثم بقية الطعام ... ثم المشروب الذى تريده يا سعادة الباشا ...
أضعت وقتى فى مشاهدة فيلم لمستر بين ... ثم داى هارد الجزء الرابع وكثير من الهجص المعتاد لبروس ويلز ... حتى وصلت الطائرة إلى مطار القاهرة وحطت بسلامة الله ...
وفى مطار القاهرة كدت أن أتعارك مع أحد المصريين الهمج .... تباً ... لقد عدت إلى أكثر بلاد الله همجية مرة أخرى بعد ثمانية عشر يوماً من الغربة ... يا أهلاً بالمعارك ... ويا بخت من يشارك .....
قد يسألنى أحدكم ... ألم يعجبك شئ فى الجزائر ؟؟؟
وأجيبهم : بلى .. هناك ما أعجبنى فى الجزائر بالطبع ... وهل توجد دولة جميع ما فيها سئ حتى ولو كانت الجزائر ؟؟
مما أعجبنى فى الجزائر ولا يمكنك رؤيته إلا فى الشيراتون تلك النادلة المكتنزة التى كانت تعمل فى البوفيه المفتوح صباحاً ... كانت تدخل من البوفيه إلى المطبخ حاملة بعض الأطباق المتسخة ولكنها لم تكن تعانى من أى صعوبات فى فتح الباب ... كنت أتصور فى البداية أن الباب يفتح أوتوماتيكياً عند وقوفها أمامه ولكنى اكتشفت أن لديها من الأسلحة ما يمكنها من فتح الباب دون أن تلمسه ... بيديها..
مما أعجبنى أيضاً فى الجزائر موظفة الاستقبال – التى أظن أنها لبنانية – ممتلئة القوام التى حلت لى مشكلة الكارت الذى رفض أن يفتح لى غرفتى ذات يوم وأخبرتنى أن حجزى سينتهى اليوم .. ثم جددته لى من أجل سواد عيونى – نفس الموقف حدث لى فى الخرطوم لو أن أحدكم يتذكر –
من الأشياء الرائعة كذلك فى الخرطوم شوربة الحريرا – التى سبق الحديث عنها – واللحوم بصفة عامة والبطاطس المقلية والطماطم وسلطة النسواج أو النسواش أو النسواس ... وهى عبارة عن سلطة خضراء عادية عليها تونة وبيض مسلوق وبعد السوائل غريبة الشكل ... جميلة الطعم ..
وقد شرح لى أحد الزملاء الجزائريين سبب جمال طعم اللحوم وخاصة لحوم الكباش أو الجديان .. السبب هو أن هذه الحيوانات تأكل من المراعى الطبيعية فى الجبال .. وهذه المراعى ينمو فيها نبات الشيح بكثرة ... مما يعطى لحومهم رائحة ونكهة طيبة جداً سببها الشيح .... ربما هو صادق .. عامة لست من هواة الشيح أساساً
شئ آخر أعجبنى هو البايلا التى يقدمها مطعم الأندلس الموجود بالفندق .. وعن البايلا أحدثكم ... هى عبارة عن وجبة تكفى اثنين .. تكفيهم تماماً .. تتكون من الأرز المخلوط بالكثير من السبيط والجمبرى ومختلف أنوع الأسماك .. والجمبرى الكبير والكابوريا ذات الأيادى الطويلة .. لدرجة أننى رفضت أكل أحد الكابوريات لأنى خفت منها فعلاً .. كانت تشبه الآلى المقص أقوى أعداء مازنجر على الإطلاق ... والله العظيم لقد خفت منها فعلاً ... كانت تصلح كشخصية كارتونية أو فى أحد أفلام الرعب ... فيلم عودة الكابوريا القاتلة ... ولكنها مع ذلك وجبة مؤرقة الكمية .... ومؤرقة الجمال .
حسن ..... لقد انتهيت ..... هل من تعليقات ؟؟؟
ماذا ؟؟؟ نسيت أن أحدثكم عن شريكى وشريكتى فى الرحلة من القاهرة إلى وهران ؟؟ لا أذكر أننى وعدتكم بذلك ... حسناً ... أنا أكذب .... إننى أذكر وعدى جيداً .. ولكن كرهى للجزائر والعمل فيها لا يدع لى مجالاً للحديث عن الأشخاص الظرفاء اللطفاء ... فليكن لهما موضع حديث آخر إذن ...
سألتنى صديقة : لماذا أحببت السودان وكرهت الجزائر ؟؟
قلت لها : بلد استقبلتنى بالأمطار وبلد استقبلتنى بزلزال ... فأيهما أحب وأيهما أكره ؟؟؟
عشر نصائح لمن يسافر إلى الجزائر :
1. لا تحاول الحديث بالعربية
2. لا تحاول الحديث بالإنجليزية
3. لا تحاول الحديث بالعامية المصرية
4. لا تحاول الحديث بالعامية الجزائرية
5. لا تتحدث بغير الفرنسية
6. لا تحاول المجادلة مع الجزائريين
7. لا تحاول مصاحبة الجزائريات لأن معظم الجزائريين كالصعايدة فيما يتعلق بالشرف
8. لا تحاول مصاحبة الجزائريات من القلة اللاتى ليس لديهن أهل من الصعايدة .. فالجزائر تعانى من أزمة حقيقية فى مستوى الجمال
9. لا تحاول البحث عن ساندويتش فول إذا اشتهته نفسك
10. لا تحاول شرب شيشة معسل
نصيحة أخيرة :
إذا دعتك قدرتك إلى ظلم الناس ... فتذكر قدرة الله على إرسالك إلى الجزائر
هناك تعليق واحد:
بعد التحية والسلام،
في ليلة خانني فيها الرقاد، جبت بحر الشبكة المعلوماتية أبحث عن مدونات تحكي أخبار بلدي "الجزائر" يا ليتني ألاقي نصا يحكي أفكار أبناءها وإذا بي أضغط على وصلة رمتني في مدونتك المظلمة جدرانها، النيرة سطورها. بدأت بقراءتها وفرحت في البداية:أخ في الدم واللسان (عربي) وفي الدين (مسلم) زار بلدي، ولكني لأسفي صادفت مقاطع ونصائح عممت وطني وأبناء بلدي في أشخاص قابلتهم خانوا تقاليدنا العريقة وسماتنا المشتركة. يا أخي العربي العزيز، الجزائر التي شاهدت وزرت ليست جزائر عامة الجزائريين البسطاء الكرماء. فليعلم أخي أن متحدثي الفرنسية هم قلة في وطننا ولكنهم الأغلبية في ميدان الأعمال والخدمات، لأن المعربين من الإطارات والمختصين لا تقبل مطالبهم في الأعمال المختصة ولا حتى في الفنادق المنحطة. ثم هنالك خطاء صدر في مذكرتك، استشهد من الجزائريين مليون ونصف مليون شهيد دفاعا عن هويتنا العربية-الإسلامية وليس العشرات من الأبطال كما ذكرت. ولكن ورث تضحياتهم أبناء فرنسا وعمالتها، وبالتالي لا يقبل في ناديهم إلا من يكلمهم بلغة أسيادهم ويتماشى وسيرتهم الفاحشة. أخي العزيز ذلك الفرد الذي زار بك في "العاصمة" لم يأخذك إلى عاصمتنا نحن لأن أمثاله لا يمكنهم السير والكلام في عاصمتنا، فلا تنفع لغة أسياده في القصبة وباب الوادي والحراش (أحياء العاصمة الشعبية). أخي العزيز، أنت رأيت ما رأيته وذلك لأنك رجل عملي وجئت في إطار مهمة عملية، وكما أسلفت تلك ميادين يحتكرها ورثة الثقافة الفرنسية. فالجزائر يا أخي العزيز لا تحد بجولة في سيارة في أعالي العاصمة (في حيدرة والأبيار: معاقل المفرنسين) ولا في فندق يشغل فيه من يتقن لغة "موليار" (كاتب فرنسي يعشقه هؤلاء الخونة). المرة القادمة يا أخي، زر جزائر العامة من الناس الكرماء. جزائر الصعايدة. أصحاب الأنفة والعزة والرجولة ليس جزائر القلة المضللين.
عليك من السلام
إرسال تعليق