الأحد، يناير 11، 2009

دمشق ... مرة أخرى

مرة أخرى ... ها أنت يا دمشق ... وها أنا قد أتيت ...
هذه المرة لن أحكى لكم بالتفصيل عن رحلتى ووجود شريف عرفة معى على متن الطائرة .. ولن أحكى عن المهندس الغبى الذى يسوء هو وأمثاله من سمعتنا كمصريين فى الخارج والذى تشاجرت معه ... فكل هذه الأشياء لا تهمكم فى شئ .. فهى لا تهمنى أنى شخصياً ..
بالطبع كان هناك المزيد من الأفلام التى تتحدث عن كوارث الطائرات ... لم أعد أندهش من هذا ... ويبدو أنها هي الحبكة الوحيدة مضمونة النجاح هذه الأيام ...
ماذا سأحكى إذن ؟؟ سؤال جيد يطرحه ذلك الشاب القصير الأصلع ( الذى هو أنا ) .. سأحكى لكم انطباعاتى عن سوريا .. فهذه هى المرة الأولى التى أخرج فيها وأتحدث مع سوريين وآكل الطعام السورى فى مطاعمه الأصليه بعيداً عن الفندق .. وكل هذا بفضل الله ثم بفضل صديقى السورى ياسر ... وهو الذى جعل لسوريا طعماً أحلى فى فمى وعقلى وقلبى ....
بداية أحدثكم عن ياسر .. هو شاب فى الخامسة والعشرين من عمره .. يحضر الماجستير.. وهو لطيف لدرجة تجعلك تحب الشعب السورى وتتمنى معه أن يكون هو زوج أختك بدلاً من ذلك الشخص السئيل الذى لا تحبه ... ياسر أصر على أن يصطحبنى إلى الشام القديمة ويدعونى للطعام فى أحد المطاعم هناك بدلاً من أجلس وحدى فى الفندق كمرضى الجذام .. فعل هذا ليومين ... هون علي كثيراً من مرارة الغربة .. فالغربة مرة حتى ولو كانت وسط بنات سوريا اللائى لم أتعامل مع أيهن حتى الآن ....
سوريا ....
دمشق ...
دمشق القديمة ....
مطعم أوراق الزمان ......
يبدو اسم المطعم كأحد المسلسلات القديمة .. يذكرنى بأولاد آدم وليالى الحلمية والمال والبنون ...
دخلنا المطعم .. هو فى الأصل بيت سورى قديم من البيوت التى تراها فى مسلسلاتهم القديمة .... جزء منه عبارة عن غرف ... ثم ساحة كبيرة بلا سقف تتوسطها نافورة صغيرة ... وبالطبع لأجل تحويله لمطعم تم عمل سقف لهذه الساحة .... ويصل سعر هذا المطعم – إذا فكر أحدكم فى شرائه – إلى ما قد يزيد عن مليونين ... من الدولارات ....
منذ البداية وأنا معجب بالمطعم السورى والطعام الشامى ... ولكننى فى ذلك المطعم أدركت أنى لم أتذوق الطعام السورى من قبل ... فالطعام فى مطعم شبه شعبي يختلف كثيراً عن الطعام فى الشيراتون ... فالمكان الشعبي هو نكهة الوطن ( ما رأيكم بهذه الفلسفة والحذلقة الفارغة ؟ )
أكلت دجاجاً فى الفخار .. وهو أجمل ما أكلت فى حياتى على الإطلاق .. دجاج مطهى بشكل ما ... وعليه صوص ما ... ومقطع عليه بطاطس ومكرونة ومشروم مطهيين بشكل ما .... إننى – لو كانت إنجى معى - فأنا فى الجنة ولا شك ...
حتى الشيشة – أو الأرجيلة كما يسمونها – لها طعم مختلف رغم أنهم يستوردونها من مصر ...
يتميز الشعب السورى بأنه شعب مفطور على السياسة مفطوم عليها ... يولد وينشأ ويترعرع على حلم القومية العربية والوحدة العربية وكراهية إسرائيل ... يدرسون التربية القومية منذ الابتدائية وحتى التخرج من الجامعة...
حتى الأطفال ... فعندما يلعب الأطفال كرة القدم مثلا يكونون فريقين ... ولا يقومون بتسميتهما .. ولكن الاتفاق يكون أن من يربح المباراة سيكون اسمه سوريا .. وأما من يخسر فسيكون اسمه اسرائيل .... هذه الحماسة زرعها فيهم الرئيس الراحل – جسداً لا روحاً – حافظ الأسد ... وأكدها بعده ابنه الرئيس الذى تغير من أجله الدستور ... الدكتور بشار الأسد ....
والدكتور بشار له هناك شعبية طاغية لا يتصورها عقل ... ونسجت حوله الكثير من الحكايات .. بعضها حقيقى وبعضها الآخر من نسج الخيال بالطبع ... فهو الرئيس الذى يسير بلا حراسة ويذهب للملاهى مع أطفاله دون حراسة ... وهو الرئيس الذى يقف فى طابور فى مطعم ليحصل على ساندويتشين فلافل سورى ويطلب من البائع أن ( يتوصى بالمخلل ) ....
هو الرئيس الذى عندما كان طفلاً ويتربى فى بيت والده الرئيس حافظ الأسد كان طفلاً مطيعاً مؤدباً ... وكان أحياناً يذهب للكلية بالمواصلات العامة والأوتوبيس ...
وهو فوق كل هذا شاب متحمس ... يصرخ دائماً بالوحدة والحرب ضد إسرائيل ... وإذا سألت أحد السوريين لماذا لم يطلق رصاصة واحدة لتحرير الجولان – التى يرفض الحصول عليها سلمياً مقابل الاعتراف بإسرائيل – يقول لك السورى : لأننا لا نضمن أن مصر ستقف موقف الحياد .. بل ستحارب ضدنا ... وأتساءل صادقاً .. هل سوريا التى تستطيع أن تحارب ضد إسرائيل ومن خلفها أمريكا تخاف أن تقف مصر ضدها ؟؟؟
المهم أن حماس الرئيس السورى انتقل إلى شعبه الذى يحبه بجنون .. ويبدو أنه قام بالكثير من الإصلاحات على المستوى الداخلى فزاد الأمن وزادت المرتبات ... وهناك تستطيع إرسال ابنتك البالغة من العمر سبع سنوات لتحضر لك الخبز فى الثالثة أو الرابعة صباحاً ولا تخش شيئاً .. فقبضة الأمن هناك حديدية .. ولا توجد هناك معاكسة الفتيات المنتشرة بشدة فى الدول المجاورة ....
أما المخدرات .. فعقوبة تعاطيها قد تصل إلى السجن لخمسة عشر عاماً ... أما عقوبة الاتجار بها فقد تصل للسجن المؤبد أو السجن مدى الحياة ( السجن المؤبد هو السجن حتى يصل عمر السجين إلى سبعين عاماً ) .
والشعب السورى يرى نفسه صانع لبنان ... له الكثير من الحق فيما يقول .... فالسلاح يتم تهريبه من سوريا والكهرباء تأتى من سوريا والبترول يأتى من سوريا .... حتى المقاتلين أنفسهم كثير منهم تدربوا فى سوريا .. أما جيش لبنان الرسمى فهو لا يصلح لشئ .. فماذا تتوقعون من جيش فترة التجنيد به ستة أشهر وعقاب المجند الذى يخطئ أو يرفض تنفيذ الأوامر هو الحرمان من الكوكاكولا على العشاء .....
فى سورياً شاهدت علم إسرائيل مرسوماً على الأرض فى الشام القديمة .. بالطبع دست عليه فأنا محروم من مثل تلك الحريات فى بلادى ...
كما شاهدت على الحائط مكتوباً : هتلر العرب حسنى مبارك ...
وهم فى غمرة حماسهم يطلبون منا فتح المعبر ... ونحن فتحناه للجرحى والمصابين وعبور المساعدات .. ولكننا لن نفتحه من أجل التوطين ....
وللفلسطينيين فى سوريا وضع خاص .. فهى تعطيهم هوية ( بطاقة شخصية ) مكتوب عليها سورى فلسطينى ... أى أنها تعطيهم معظم حقوق المواطن السورى من إقامة وعمل وغيرهما ولكنه فى النهاية فلسطينى وله وطن وسيعود له يوماً .... يعجبنى بشدة الحماس السورى ....
وللسوريين عاداتهم فى السلام ... فعندما تقابل الشخص فأنت تسلم عليه .. ثم تقبله بوضع الخد على الخد ناحية اليسار مرة – كما نفعل فى مصر – ثم ناحية اليمين لثلاث مرات ....
والحكومة السورية تمارس أشد أنوع الرقابة على الإنترنت ... فالمواقع المحجوبة بالعشرات .. حتى الفيس بوك واليوتيوب محجوبين .. بالإضافة لعشرات المواقع الإخبارية ... ولا أدرى ما فائدة هذه ومواقع كسر البروكسى تنجح فى التعامل مع هذا الحجب بنسبة مائة فى المائة ....
لملمت حقائبى .. وحزمت أمتعتى .... وها أنذا فى وطنى مرة أخرى ...
مرحباً بى .....