الخميس، أكتوبر 19، 2006

سلهوب رفيع

كنت أنوى أن أنكش بابا جدو ليتحدث معى عن الأغانى التى انتشرت انتشار النار فى الهشيم هذه الأيام على غرار ( سلهوب رفيع طق شع فى الدماغ أنا قلت ماشى .. سلهوب رفيع لو طق شع فى الجيوب أنا دوغرى حاشى ) ... - وهذه بالمناسبة أغنية حقيقية فى فيلم كذلك فى الزمالك - ... و بالفعل استدرجته حتى جلسنا أمام التلفاز منتظراً أى أغنية من هذه النوعية ... وفجأة وبدون سابق إنذار استضافت المذيعة أحد المسئولين بوزارة التموين وبدأت تسأله عن رغيف العيش ... فانطلق الرجل شارحاً كيف أن الحكومة تدعم رغيف العيش أبو شلن ( خمسة قروش ) ... ثم وبمنتهى الاستعراض أخرج رغيفاً من الخبز وقال للست المذيعة : " دة رغيف عيش من أبو شلن اشتريته من أول فرن قابلنى وأنا جاى " ... ما يغيظك أن هذا الرغيف أكبر بكثير من الرغيف ذى الخمسة وعشرين قرشاً .. بل إن حجمه يقارب حجم غطاء البالوعات فى الشوارع.. وابتسم مضيفاً : هو دة حجم الرغيف الطبيعى اللى كل الناس بتشتريه وخلاص المشكلة اتحلت...
بمنتهى الصراحة استفزتنى بجاحة هذا السيد المسئول كما استفزتنى المذيعة تماماً ... ألا يعلم هذا الرجل أن حجم رغيف العيش الحقيقى أبو خمسة قروش أكبر بقليل من حجم الخمسة قروش المعدنية نفسها ؟؟ ... كيف يجد هو وحكومته المهذبة القدرة على الكذب وتصديق أنفسهم بهذا الشكل ؟؟؟ وكيف صمتت المذيعة على أكاذيبه المفضوحة ؟؟
قال بابا جدو : أمال ليه ماما بتجيب العيش أبو ربع جنيه طالما أبو خمس قروش أكبر ؟؟
عندها فقط علمت لماذا تكذب الحكومات ... هى تكذب طالما أن هناك من يصدقها كهذا العجوز المخرف ...
قرأت فى أحد الكتب المصورة يوماً : إن الجرأة هى أن تأكل فى مطعم ثم تغادر دون أن تدفع الحساب ... أما البجاحة فهى أن تعود لنفس المطعم فى اليوم التالى لتأكل مرة أخرى ... وهذا هو ما تفعله الحكومة تماماً .. تكذب الكذبة وتصدقها وتكررها حتى تصير حقيقة مسلم بها ... تفعل المصيبة وتبررها ثم تكررها ولا تعاقب المسئول أبداً ...
أربع قطارات ومئات الضحايا ولا يزال السيد منصور شيفروليه وزيراً للنقل ... أتساءل فى دهشة كيف لم يستقيل ... وأتساءل فى دهشة أكبر كيف لم يقال ؟؟؟
ولكننى أعود وأقول لنفسى أن السيد الوزير منصور خارج أى حسابات منطقية أساساً ... فالعجب العجاب فى مصرنا المحروسة أن نأتى برجل أعمال يتاجر فى السيارات ونجعل منه وزيراً للنقل ... وأقسم لكم لو كان هذا الرجل ملاكاً ذا جناحين فبالتأكيد ستضعف نفسه ويتربح من منصبه أو على الأقل سيستفيد هو وذووه ... وكما يقول الله تعالى : " إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى " ... ولو كان السيد منصور ممن رحم ربى لاستقال فور وقوع الحادثتين ...
نترك السيد منصور شيفروليه ونترحم على أيام السيد وزير الداخلية الذى استقال فور وقوع حوادث الإرهاب السياحى ... قاطعنى بابا جدو : " ولكن الوزير الجديد زى الفل ولم تقع على أيامه حوادث تذكر " ...
أومأت برأسى إيجاباً وأضفت : نعم .. فقط حوادث طابا وعبد المنعم رياض وخلافه ... وكلها وياللمصادفة فى أعيادنا الوطنية ... وكأن اليهود الوحشين ينتقمون منا لأننا انتصرنا عليهم فى عيد الكيبور الخاص بهم .. اليهود الوحشين فشلوا فى الانتقام طوال ثلاثين عاماً أو يزيد ونجحوا فى ذلك الآن فقط ... تخيلوا حكومتنا الشملولة وما يحدث فى عهدها الميمون ... والفاعل كالعادة مختل عقلياً ...
حتى حجة المجرم المختل عقلياً لم تعد مقنعة ... هل أصبحنا دولة من المختلين عقلياً ... كلما حدثت جريمة أصبح القاتل مختل عقلياً ... فإما أن السيد المسئول مختل عقلياً أو أننا نحن المختلين ...
لقد ذكرنى موقف الحكومات الكاذبة المتعاقبة مع الشعب بفيلم آخر كدبة بطولة اسماعيل ياسين ... كما ذكرنى بفيلم الستات مايعرفوش يكدبوا لاسماعيل ياسين أيضاً ... يبدو أننا نعيش عصر حكومات اسماعيل ياسين ... كذبة تغطى على كذبة ... وكذبة تبرر كذبة ... وحلُّو يا حلُّو رمضان كريم يا حلُّو ...
يقول الشاعر الفذ نجيب سرور فى نصيحته لأحد السياسيين الكبار فى إحدى قصائده الممنوعة :
اختار كدبة كبيرة ...
واقعد كرر فيها
ولأننا دولة بجحة ووشها مكشوف فحكومتنا الباسلة تظهر بعد كل كذبة لتقول لنا ببساطة : نعم لقد كنا نكذب
نعم ... لم يكن القاتل مختلاً
نعم السكة الحديد ليست على ما يرام
نعم كان هناك قصوراً أمنياً فى سيناء
نعم نعم نعم ... لا أنعم الله عليكم أيها الكذابين .. ولا علينا نحن المصدقين
لى صديقة مكسيكية كل علاقتها بمصر أنها تعرفنى وتقرأ جريدة الأهرام ويكلى ... هاتفتنى هذه الصديقة منذ أيام وقالت لى أنها تتمنى لو كانت مصرية ... ثم حكت لى عن انبهارها بأمن وأمان مصر .. وبالطفرة الاقتصادية التى نحققها يوماً فيوماً .. وبخططنا الخمسية المتميزة ... وبالإصلاح الاقتصادى وبتوشكى وبشرق العوينات ونظافة نهر النيل و.... و....و..... عندها ابتسمت أنا فى هدوء ورددت عليها بكلمة واحدة قبل أن أغلق السماعة فى وجهها إلى الأبد ... قلت لها : " حمارة " .
وأتساءل ويتساءل معى البسطاء : ما الفائدة من أن نحسن صورتنا أمام الآخرين بينما نحن نعانى الويل والثبور وعظائم الأمور ؟؟؟
ما الفائدة من أن نتشدق بانتخابات الرئاسة ومجلس الشعب النزيهة بينما نحن نعلم ما فيها من تزوير وبلطجة ؟
ما الفائدة من أن نحكى عن سجوننا المصرية وكأنها منتجعات سياحية بينما هى مليئة بالضرب والصعق والسحل والاغتصاب والتعذيب ؟؟
ثم السؤال الأهم : أمازلنا قادرين فى عصر الفضائيات والجزيرة وميلودى أفلام والإعلام المفتوح ... أمازلنا قادرين على خداع هؤلاء الآخرين ؟؟؟
لقد صورت كل تلفزيونات العالم ما كان يحدث أثناء الانتخابات " النزيهة " وبثته على قنواتها إلا نحن ... بل خرج المتشدقون يتشدقون بالنزاهة ... وبدلاً من أن نضحك على الآخرين تحولنا نحن إلى نكتة قديمة بايخة يحكونها فى جلساتهم ... حتى أن أمريكا برئاسة كوندليزا رايس تحدثت لأكثر من مرة عن الديمقراطية فى مصر وكيف أن مصر لا تخطو خطى حقيقية تجاه ديموقراطية الحق والعدل ... فرد عليها السيد المسئول : عن أى ديمقراطية تتحدثين ؟؟؟ سلميلى على جوانتنامو .. نحن أرباب الديمقراطية منذ الأزل ... بل إننا من فرط الديمقراطية تركنا معارضاً مثل أيمن نور يخوض الانتخابات رغم أنه قام بتزوير التوكيلات .. ثم بعد ذلك تتحدثين عن الديمقراطية ؟؟؟ يا أخى .... وللا بلاش دى
يقول الشاعر الجميل المنفى خارج الوطن العربى أحمد مطر :
زارَ الرّئيسُ المؤتمن
بعضَ ولايات الوَطـنْ
وحينَ زارَ حينا
قالَ لنا :
هاتوا شكاواكـم بصِـدقٍ في العَلَـنْ
ولا تَخافـوا أَحَـداً..
فقَـدْ مضى ذاكَ الزّمَـنْ .
فقالَ صاحِـبي ( حَسَـنْ ) :
يا سيّـدي
أينَ الرّغيفُ والَلّبَـنْ ؟
وأينَ تأمينُ السّكَـنْ ؟
وأيـنَ توفيرُ المِهَـنْ ؟
وأينَ توفيرُ الدّواءَ للفقيرِ دونما ثَمَـنْ ؟
يا سـيّدي
لـمْ نَـرَ مِن ذلكَ شيئاً أبداً .
قالَ الرئيسُ في حَـزَنْ :
أحْـرَقَ ربّـي جَسَـدي
أَكُـلُّ هذا حاصِـلٌ في بَلَـدي ؟!
شُكراً على صِـدْقِكَ في تنبيهِنا يا وَلَـدي
سـوفَ ترى الخيرَ غَـداً .
**
وَبَعـْـدَ عـامٍ زارَنـا
ومَـرّةً ثانيَـةً قالَ لنا :
هاتـوا شكاواكُـمْ بِصـدْقٍ في العَلَـنْ
ولا تَخافـوا أحَـداً
فقـد مَضى ذاكَ الزّمَـنْ .
لم يَشتكِ النّاسُ !
فقُمتُ مُعْلِنـاً :
أينَ الرّغيفُ والَلّبَـنْ ؟
وأينَ تأمينُ السّكَـنْ ؟
وأيـنَ توفيرُ المِهَـنْ ؟
وأينَ توفيرُ الدّواءَ للفقيرِ دونما ثَمَـنْ ؟
ومعذرة يا سيدى ...
وَأيـنَ صاحـبي ( حَسَـنْ ) ؟
مرحى يا سيدى أحمد مطر ... لقد صرنا كلنا صديقك حسن ... ابحث عنه فى الشوارع وعلى المقاهى وبين الوجوه الكادحة ... لقد استوعبت الحكومة درس حسن فتعلمت كيف تكمم فمه حتى لا يسأل ... فمرة تكمم فمه بالعنف والقهر ... ومرات تكمم فمه بإلهائه فى لقمة العيش صعبة المنال حتى لا يجد وقتاً للحديث فى السياسة ولا فى غيرها .. فكل اثنان يتحدثان هما فى الواقع تجمع مشبوه ينبغى الحذر منه ...
عزيزى بابا جدو ... يقولون أن أكثر الناس بجاحة هم العاهرات ... ولكن حكومتنا منزهة عن العهر ... فهى أكثر بجاحة من العاهرات أنفسهن ...
كنت أنوى أن أستدرج بابا جدو للحديث عن السلهوب الرفيع ... فوجدت بلادنا ممتلئة عن آخرها بالسلاهيب السمينة ... فما الحل ؟؟؟
أدرت مؤشر التلفزيون عن السيد المسئول والست المذيعة فوجدت عدوية يغنى بمنتهى السلطنة :
عم يا صاحب الجمال ... ارحمنى دة أنا ليلى طال
شوف لى جمال على قد الحال يعوض صبرى اللى طال
عم يا صاحب الجمال
السح الدح أمبوه ...
إدى الواد لأبوه !!!!!!!!!!

ليست هناك تعليقات: