الخميس، يونيو 22، 2006

قانون الطوارئ


فى مايو 2006 قرر مجلس الشعب تمديد العمل بقانون الطوارئ لمدة عامين أو لحين صدور قانون الإرهاب ... انزعج البعض ... لم يتأثر البعض ... ولم يفهم البعض ما هو قانون الطوارئ ...
من المعروف أن لكل دولة قانوناً طبيعياً يحكمها ... والدستور المصرى يكفل بنصه العديد من الحريات مثل الحرية الشخصية وحرمة المسكن وحرية التنقل وحرية الاجتماع المذكورين فى المواد 41-44-50-54 على التوالى ... هذا هو القانون الطبيعى الذى نعرفه ويعرفه العالم كله ... فما هو قانون الطوارئ ؟؟؟
قانون الطوارئ هو قانون يتم استخدامه وتطبيقه فى الظروف الاستثنائية ... والمقصود بالظروف الاستثنائية هى الظروف التي قد تطرأ فيها مخاطر على حياة الدولة بشكل يهدد بقائها (حالة الحرب-التهديد بالحرب-الكوارث الطبيعية) مما يضطرها إلى الخروج عن المألوف من القواعد القانونية التي تطبق في الظروف العادية أو التحلل منها مؤقتا لمواجهة هذه الحالة الطارئة و حماية حقها في البقاء وبموجب هذا القانون يتم تعطيل حريات الفرد كما سنرى

يفهم من المقدمة السابقة أن قانون الطوارئ هو قانون استثنائى يتم تطبيقه فقط فى الظروف الاستثنائية .. أما فى مصرنا الغالية العامرة فيتم تطبيق قانون الطوارئ بشكل متواصل منذ اغتيال الرئيس محمد أنور السادات فى أكتوبر عام 1981 ... أى منذ خمسة وعشرون عاماً متواصلة .. ونتساءل فى براءة ... إذا كان عمر القانون الاستثنائى خمسة وعشرون عاماً فأين هو القانون الطبيعى ؟؟؟
وتمديد قانون الطوارئ المرة الماضية ليس هو الأول .. بل هى المرة الحادية عشر على التوالى التى يتم فيها تجديد العمل بقانون الطوارئ بعد اغتيال السادات سواءاً لعامين أو لثلاثة أعوام ... فمرة التجديد بحجة البلطجة .. ومرة بحجة المخدرات .. ومرة بحجة تجارة العملة ... فهل من المتوقع أن يكون هناك أى مجتمع يخلو من هذه المشاكل ؟؟؟ أم أن هذه المشاكل هى ذريعة ليحكمنا النظام الحاكم بقانون الطوارئ إلى الأبد؟؟؟
وهذه المرة كان التمديد بحجة الإرهاب .. ونسأل الحكومة الغالية : هل استطاع قانون الطوارئ حماية دهب أو شرم الشيخ أو المتحف أو الكنائس والمساجد ؟؟؟؟
هل أدى قانون الطوارئ دوره المرسوم له ؟؟؟
وقانون الطوارئ ليس غريباً على مصر ...ففى عام 1923 تم إعلان الأحكام العرفية ( قانون الطوارئ ) بعد نشوب الحرب العالمية الثانية وتم إلغاؤه عام 1945
ثم فى عام 1948 تم إعلانه مرة أخرى .. ثم تم إلغاؤه فى عام 1950
ثم تم إعلان الأحكام العرفية مرة أخرى عام 1952 بعد حريق القاهرة وتم إلغاؤها فى يونيو عام 1956 ...ليتم إعلانها مرة أخرى فى نوفمبر من العام نفسه بعد العدوان الثلاثى وتنتهى فى عام 1964
ويتم إعلان حالة الطوارئ من جديد عام 1967 بعد النكسة ... ثم ينتهى فى عام 1980
وأخيراً .. تم إعلان العمل بقانون الطوائ عام 1981 ولايزال تطبيقه مستمراً حتى الآن ...
بحسبة بسيطة نجد أنه منذ عام 1923 لم تعش مصر سوى 9 سنوات و4 أشهر فى ظل الأحكام الطبيعية ... ثلاثة وسبعون عاما قضينا منها أكثر من ثلاث وستون فى ظل قانون الطوارئ ...
ومساوئ قانون الطوارئ لا تعد ولا تحصى فهو يتوسع في أعطاء الصلاحيات للسلطة التنفيذية وعلى رأسها رئيس الجمهورية ... فمثلا يعطى القانون كامل الحق لرئيس الجمهورية – بنص المادة الثالثة من القانون - في تقييد حرية الأفراد في الاجتماع والانتقال والإقامة في أماكن معينة وأوقات معينة والقبض على المشتبه فيهم واعتقالهم و هو ما يتعارض مع المادة 41 من الدستور.
و تفتيش الأشخاص بدون الإجراءات الجنائية القانونية وهو ما يتعارض مع المادة 44 من الدستور والتي تقضى بعدم دخول المساكن إلا بأمر قضائي مسبب.
و يخول له أيضا الحق في مراقبة المراسلات البريدية وهو ما يتعارض مع المادة 45 من الدستور الذي ينص على عدم جواز مراقبة المراسلات البريدية إلا بأمر قضائي مسبب وكذلك يعطيه الحق فى مراقبة الصحف و كافة وسائل التعبير و مصادرتها و تعطيلها و إغلاقها
ويخول له تكليف أى شخص بتأدية أى عمل والاستيلاء على أى منقول أو عقار وسحب التراخيص الخاصة بالأسلحة والذخائر وإخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل
قانون الطوارئ الذى لا توجد عليه أى رقابة لأنه من الأعمال السيادية
قانون الطوارئ الذى يتيح لرئيس الجمهورية إحالة أى قضية مدنية إلى المحاكم العسكرية التى لا تعرف الشفقة
قانون الطوارئ الذى يعطى النيابة ثلاث صلاحيات هى التحقيق والاتهام والإحالة بالإضافة إلى الحبس الاحتياطى لمدة ستة أشهر دون الحق فى التعويض ودون حتى رقابة القضاء عليها
قانون الطوارئ الذى يتيح فى مادته الثالثة اعتقال الأشخاص المشتبه فيهم ... هكذا فقط لمجرد الاشتباه ....
قانون الطارئ الذى يجيز إدخال العنصر العسكرى فى تشكيل المحاكم مما يخالف جميع المعايير الدستورية الدولية الخاصة بالفصل بين السلطات واستقلال القضاء
قانون الطوارئ الذى لا يتيح لمن يحاكم أمام محاكمه (محكمة أمن الدولة العليا – طوارئ) فرصة أى استئناف أو نقض ... فأحكامها نهائية ولا رجعة فيها ...
وذكر التقرير السنوى لجمعية حقوق الإنسان المصرية لعام 2003 ما نصه :
" وقد أصبح تعليق المنظمة المصرية لحقوق الإنسان على استمرار العمل بقانون الطوارئ أحد ثوابت تقاريرها السنوية منذ التقرير الأول وحتى هذا التقرير الذي يعد الرابع عشر، أي بعد أربعة عشر عاما. ويصدر تقرير عام 2003 بعد أن دخلت حالة الطوارئ في مصر عامها الثالث والعشرين على التوالي، وتشعر المنظمة المصرية ببالغ الأسف بسبب استمرار هذه الحالة الاستثنائية والتي دفعتها إلى اعتبار قانون الطوارئ بمثابة دستور ثان للبلاد، يوفر للسلطة نوعا من الحصانة إزاء انتهاك حقوق الإنسان وتهميش الدستور والقانون، وتعطيل وفاء الحكومة المصرية بالتزاماتها الدولية بموجب تصديقها على العهود والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، هذا فضلا عن خلق مناخ عام معاد لحقوق الإنسان. "
واضاف التقرير نفسه :
" وانطلاقا من إصرار الحكومة المصرية على مد العمل، ووفقا للنقد الموجه في هذا الصدد، فإن قانون الطوارئ هو أداة للحكم السياسي، أكثر من كونه أداة لمواجهة مخاطر فعلية تهدد المجتمع المصري. وثمة براهين على ذلك منها: أ- استخدام قانون الطوارئ وغيره من القوانين المقيدة للحريات المدنية والسياسة لقطع السبيل أمام مشاركة فعالة في إدارة الشئون العامة للبلاد. ب- تفعيل قانون الطوارئ في مواجهة المعارضين السياسيين، ممن ينتهجون منهجا سلميا في العمل السياسي.ج- انتفاء المبررات التي طالما ارتكزت عليها الحكومة المصرية لمد العمل بقانون الطوارئ والتي ترتكز على ضرورات مكافحة الإرهاب، وقد أكدت المنظمة المصرية بأنها لم ترصد أي عمليات مسلحة بعد مذبحة الأقصر عام 1997. كما أن استخدام أحداث 11 سبتمبر للإيحاء بأن العمليات الإرهابية قد تمتد إلى مصر ليس له ما يبرره لا من الناحية السياسية أو القانونية.ومع انتفاء مبررات العمل بقانون الطوارئ وغياب الرقابة على تنفيذه وطول أمده، فلم يبق منه إلا آثاره السلبية على واقع ومستقبل الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر. لذلك فإن المنظمة تؤكد على موقفها من ضرورة إنهاء حالة الطوارئ والعودة إلى الشرعية الدستورية كمقدمة أساسية لاحترام حقوق الإنسان وتعزيز التحول الديمقراطي.""
ويقول أحمد سيف الإسلام مدير مكتب هشام مبارك للقانون : " ان الحكومة استخدمت حالة الطوارئ فى اعتقال الابرياء وضد السياسيين وغيرهم فضلاً عن شيوع التعذيب فى المعتقلات والاعتقال العشوائى فقد بلغ عدد التظلمات فى اواخر العام الماضى حوالى 42151 تظلما وهذه التظلمات تخص حوالى 16 الف متظلم. "
ولكل مواليد ما بعد أكتوبر 1981 أقول : كل عام وأنتم بخير ... ومبروك عليكم قضاء كل حياتكم حتى اليوم رهناً لقانون الطوارئ .... ولا يعلم إلا الله متى ستنتهى هذه الغمة ...
وإلى مصر الجميلة ... إلى مزيد من الطوارئ .... وإلى مزيد من المواليد الطارئين ...
وحسبنا الله ونعم الوكيل


كُتب بالاشتراك مع :

نهلة محمود

ليست هناك تعليقات: