الخميس 23/8/2007
استيقظت فى السابعة والنصف كعادتى ودون أن آخذ حماماً غسلت وجهى وانطلقنا للبوفيه ... ولم يكن لى رغبة فى الطعام فاكتفيت بقطعتين من النقانق وشريحتين من اللانشون وقطعة مربى خوخ ثم قطعتين من شئ لا اعرف اسمه ولكنه يشبه الكورواسون بالشيكولاتة مع الشاى بالحليب ... ثم وجدنا السائق ووصلنا الشركة فى التاسعة والنصف ليصل بعدنا بربع ساعة أحد موظفى شركة الكمبيوتر ليحضر لنا هارد ديسك جديد ... وبالمناسبة فقد كان موعده فى الثامنة .... لن أتحدث عن هذا ... أحضر لنا الهارد ثم تطوع مشكورا بعمل فورمات للهارد الأول ليضيع عمل زميلنا مسئول تكنولوجيا المعلومات الذى يقوم به منذ ثلاثة أيام .... حسناً ... لن أتحدث عن هذا أيضاً .
كانت مهمتى اليوم مهمة مستحيلة ... أتحدى توم كروز شخصياً أن يقوم بها ... كانت مهمتى أن أقول بتعليم المحاسب كيفية العمل على النظام الذى نسجل به الحسابات على الكمبيوتر ... كنا نستخدم برنامجاً يدعى كومسيس ….. سأشرح لكم هذا البرنامج لو لم أنساه أنا شخصياً .... دعواتكم ...
يكفى أن أخبركم أن مديرى الذى حضر معى من مصر – وهو رجل ملتحى وبتاع ربنا – فاض به الكيل فسب الدين وأطلق من الألفاظ ما يكفيه ليعذب جوار أبى لهب فى النار .... أما أنا فقد أطلقت من الألفاظ ما يكفينى لأصبح أحد وسائل التعذيب هناك مع الغسلين ...
بالطبع نسيت الحسابات والمحاسبة بجلوسى مع محاسب الشركة وأعتقد أننى أصبحت مهدداً بالرفد من الشركة ... أو الرفت كما يحلو للمتقعرين فى اللغة أن يكتبوها ....
هل تذكرون الشاب الذى أخذ عدة دروس فى المذاهب الأربعة لمدة ثلاثة شهور ثم سأل أستاذه سؤالاً كى تثبت المعلومة فى رأسه ... وكان هذا السؤال هو : هل كان الرسول حنبلياً أم شافعياً ؟؟؟؟ هذا الشاب نموذج حى للذكاء إذا ما قورن بالمحاسب السودانى الذى أنسانى المحاسبة وأساساتها ....
لن أحكى لكم عن مغامرتى فى تعليمه ... المهم أننا رحلنا فى الساعة الثالثة لنزور السوق ونشاهد الخرطوم قبل أن نرحل منها مأسوف – أو غير مأسوف – علينا .....
استقلينا السيارة فقال زملائى للسائق نريد أن نشترى بعض البهارات والحناء .. فقال : جداً إن شاء الله ... وكلمة جداً معناها بالتأكيد .. قلت له أننى أريد شراء سوفونير لأصدقائى .. فقال : شنو ؟؟؟ وشنو تعني ماذا تقول ؟؟
لم أستغرب عدم فهمه ... فلو فهم المحاسبون لفهم السائقون فى هذه الدولة التى تعتبر الفهم قضية تهدد أمن الدولة ....
انطلق بنا إلى وسط المدينة لتنقض علينا شحاذة عجوز ومعها صبية صغيرة ... لم تكن جميلة – الصبية وليست الشحاذة - ولكنها كانت قمحية اللون وهذا يكفى لكى نظن أنها فرنسية فى دولة السواد الأعظم .... جرت الصبية خلفى عندما علمت من لهجتى أننى مصرى وأخذت تستحلفنى بالسيدة زينب لأعطيها بعض ال...... دولارات ...
ابتسمت وسألتها – بينما زملائى فى أحد المحلات - : إنتى منين ؟؟ قالت أنها من هوارة ....
سألت نفسى : هل وصل ذئاب الجبل إلى هنا ؟؟ ثم سألتها : هل وصل ذئاب الجبل إلى هنا ؟؟
قالت : لا أنا من هوارة من المنطقة الفلانية ( منطقة فى السودان ) ..... ظلت تسير معى وتكاد تتأبط ذراعى وهى تشحذ منى بأسلوب يتسم بخفة دم ... تأملتها فإذا هى فى حوالى الرابعة عشر من عمرها ... كان يمكننى أن أعطيها دولاراً مقابل قبلة ... ولكنى تذكرت أننى فى بلد ينتشر فيه الكوليرا والملاريا أكثر من المواطنين أنفسهم ...
ركبنا السيارة مرة أخرى وقال السائق أنه سيأخذنا إلى منطقة أم درمان حيث السوق الكبير هناك ... سرنا بالسيارة حوالى نصف ساعة شاهدنا خلالها التقاء النيل الأبيض بالنيل الأزرق ..... حيث يوجد فى السودان نيلان هما الأبيض والأزرق يلتقيان قرب أم درمان ليكونا النيل الذى نراه فى مصر المحروسة ....
عندما وصلنا إلى أم درمان وجدنا العديد من المؤسسات كالمستشفيات وغيرها مكتوب عليها أم درمان ... مرة أمدرمان ... ومرة أم درمان ... سألت السائق هل الصحيح أم درمان أم أمدرمان ؟؟ فقال بذكاء : أى نعم صحيح .... وبالمناسبة فقد كانت هذه إجابته على أى سؤال يوجه إليه ...
دخلنا أم درمان فى شارع يتلوه شارع يتلوه زقاق حتى وصلنا إلى منطقة ضيقة جداً هى السوق ... ولأننى لم أحضر معى الكاميرا الخاصة بى فسأحاول أن أصف لكم المكان
هو عبارة عن شوارع كثيرة تتقاطع طولاً وعرضاً مكونة عشرات المربعات التى تمتلئ عن آخرها بالبائعين والمحلات الصغيرة والشباب الذين يدفعون أمامهم عربات صغيرة تحتوى على البضائع .... كما تحتوى – مثل سائر أقطار الخرطوم – على الكثير من الركش – جمع ركشة - ... والركشة هى موتوسيكل تمت تغطيته ويتم استخدامه لتوصيل المواطنين وحاجياتهم ... ولمن لم يستوعب ما هى الركشة أخبرهم أنها التكتك ... وهم يطلقون عليها التكتك أيضاً أحياناً ....
دخلنا السوق الضيق وبعد العديد من المغامرات التى خاضها السائق تمكن من أن الانتظار جانباً .... ونزلنا ونزل معنا واشترى زملائى بعض التوابل والحناء وقام السائق بواجب معهم حيث قام بالفصال كما ينبغى ... وعندما وصلت أنا لأشترى بعض الإكسسوارات لأصدقائى كأحد أنوع ال Souvenir أو التذكار تخلى عنى السائق ولم يذهب معى ... وذهبت وحدى للبائع لأكتشف أحد أهم مميزات الكسل الشديد لدى السودانيين ...
أمسكت بأحد المسابح وسألت البائع : بكم هذه ؟؟ فقال : بخمسة وعشرين .. قلت له سأشترى كمية فقل كلاماً جاداً حتى أشترى منك .. فنظر لى بكسل وقال : خدها بخمستاشر ....
هكذا بسبب أنه كسول ولا يريد إضاعة مجهوده فى الفصال ....
اشتريت منه مجموعة من الإكسسوارات تساوى – كما قال فى البداية – 50 جنيها - .. وبعد الفصال اتفقنا على 32 جنيها .. سألته : ألن تعطنى هدية بعد كل هذه المشترايات ؟؟؟ بمنتهى الكسل أعطانى مسبحة صغيرة ....
أخذتها منه ثم أخرجت من جيبى 30 جنيها وأعطيتها له وعندما طالب بالجنيهين قلت له أننى من منطقة من مصر تدعى شبرا ولن يستطيع أن يخدعنى فما اشتريته لا يساوى أكثر من ذلك .....
تركته وتوجهت للسيارة وبدأنا رحلة الخروج من السوق حيث الزحام الشديد ....
خرجنا من السوق بعد كفاح يفوق ما قامت به الثورة الفرنسية ضد النازية ...... قبل أن أكمل أود أن أقول ملاحظة صغيرة ...
أنا الآن على متن الطائرة المتجهة إلى القاهرة ونحن نطير منذ حوالى عشر دقائق أو ربع ساعة ويبدو أن شيئا ما ليس على ما يرام .... نعود لقصتنا .....
ما إن ركبنا السيارة حتى بدأت تمطر ... بدأ كمطر خفيف ثم بدأ يزداد حدة حتى صار قوياً ... ويبدو أن الأمطار التى قابلتنا أبت إلا أن تودعنا ....
ملاحظة أخرى ... أقسم لكم أن شيئاً ما ليس على ما يرام فى هذه الطائرة اللعينة ......
انطلق بنا السائق – سائق السيارة وليس الطائرة - فى الأمطار وبدأت الطرقات فى الزحام كأن هناك متلازمة فى السودان ما بين الأمطار والزحام أو كأن السماء تمطر ماءاً وسيارات ......
أمام مطعم أمواج توقفنا قليلاً لنشترى بعض الطعام .... اشترينا دجاج بروست – وجبة لكل منا – ورغم أنها لذيذة إلا أنها لم تعجب زميلنا مسئول تكنولوجيا المعلومات – هكذا قال لى الآن - ...
" هل تسقط الطائرة أم أنها تهيؤات ؟؟؟ "
وصلنا إلى الفندق فى السادسة والربع وافترقنا فى الممر .... حاولت فتح غرفتى بالكارت الممغنط ولكنه رفض .. ظننت أننى وضعته مقلوباً مثل كل مرة ... تأكدت من كونه فى الوضع الصحيح ... ثوان وظهر شركائى فى الرحلة ليؤكد كل منهم أن الكارت رفض فتح الغرفة وبالعودة للاستقبال أخبرونا أن الحجز ينتهى فى الثانية عشرة ظهراً ... ولكن موظفة الاستقبال – إكراماً لخاطرى وسواد عيونى – وافقت على أن تمد لنا الحجز حتى السابعة والنصف مجاناً ... أخذنا الكروت وانطلقنا للغرف على أن نلتقى فى السابعة والنصف لننهى إجراءات المغادرة ونتجه للمطار حيث الطائرة فى التاسعة مساءا ...
" أتمنى أن تكون تلك الاهتزازات هى مجرد مطبات هوائية فقد مرت نصف ساعة على الطيران ولازالت أضواء الطائرة مغلقة وعلامة ربط الأحزمة مضيئة "
" المزيد من عدم الاستقرار فى الطائرة .... تباً .. الفوبيا بدأت تعمل عملها فى داخلى " .....
فى السابعة والثلث حضر صديقى مدير تكونولوجيا المعلونات وأنا آخذ حمامى فاعتمدت على أمانته وفتحت له الباب وأنا عار تماما وقلت له أن ينتظر لثوان قبل أن يدخل حتى أعود للحمام .. ولا أدرى هل نظر أم لا ......
ارتديت ملابسى بسرعة وقابلنا مديرى وانطلقنا إلى الاستقبال لننهى إجراءاتنا ونسبح وسط عشرات الأسئلة ومحاولات الفكة وأسعار العملات من الدولار للجنيه السودانى ... حصلنا على الفواتير ثم غادرنا الفندق ووصلنا إلى المطار فى الثامنة تماماً ....
" هل تحتوى هذه الطائرة على صندوق أسود أم أن سرنا سيدفن معنا ؟؟ "
فى المطار ... دخلنا من البوابة ووصلنا إلى مكان أخذ التذاكر المحجوزة باسمنا وترك الحقائب للطائرة ... سألتنا الموظفة بأدب إن كنا قد دفعنا رسم المغادرة فنفينا فقالت ادفعوه ... 35 جنيه للفرد ... هل يمكن أن ندفعها بالدولار ؟؟ لا يمكن ... ولكن هذا هو مكتب الصرافة يمكنكم تغيير بعض العملات منه ....
نتجه إلى مكتب الصرافة ... لا يوجد أحد ... ندوخ السبع دوخات حتى نعرف أين المسئول عنه فلا نجده ... يمر الوقت وتصل الساعة إلى الثامنة وخمس وثلاثون دقيقة .... حتى يظهر أخيراً بكرشه المتدلى أمامه ويقبل بمزيد من التعالى أن يغير لنا العملة ...
" تم فتح أنوار الطائرة ولكن شيئاً ما ليس على ما يرام ... ليست هذه أول مرة أطير فيها " .....
ندفع النقود ونتجه لصالة الانتظار .... نجلس قليلا وفى التاسعة وخمس دقائق يطلبون منا أن نتوجه للبوابة .. نتجه ونركب الأوتوبيس الذى يتجه بنا إلى الطائرة ... ننزل من الأوتوبيس فنجد كل الناس تتجه لأحد سلالم الطائرة بينما الآخر لا أحد عليه .. وكمصريين نستخدم الفهلوة ونتجه للسلم الآخر .... ونجلس أخيراً فى الطائرة ... فقد كان نظام التذاكر هنا free seats ... أى أن التذاكر بدون أرقام مقاعد ومن يجد مقعداً خالياً يجلس عليه .... وبالفعل لم يجد بعض الناس مقاعد وهبطوا إلا شخصاً واحداً ظل واقفاً لفترة حتى أفهموه أنه لا أمل فى أن يهبط أحد الركاب فى نصف المسافة ليجلس هو مكانه ... اقتنع بقولهم فى دهشة ثم نزل ....
أنا الآن فى الطائرة ... ولو قرأتم كلماتى هذه فمعناها أننا وصلنا بسلامة الله وأمنه ...
أنهيت مذكراتى عن الخرطوم وسأتفرغ الآن لمشاهدة فيلم Spider man الذى تعرضه الطائرة
بقى أن أقول لكم أن الخرطوم مدينة جميلة وفيها الكثير من التطور خاصة فى مجال المعمار ... وفيها مصنع لتجميع سيارات سوناتا الشهيرة .... لقد أحببت هذه المدينة .... وأعتقد أنها أحبتنى ... وإلا لماذا بكت أثناء مغادرتى ؟؟؟؟
هناك تعليق واحد:
7elwa we hamdella 3la el salama
إرسال تعليق